الأعناب بمقادير مختلفة جدا، تنقص وتزيد. إلّا أنني أرى أن الكبير والصغير والغني والفقير متكافئون في أكل الأعناب حتى لا يتعذر على أحد أن يروح في أوان كثرتها واعتدال أسعارها دون أكله رطلا من العنب العام. ثم ضربنا بعضا ببعض وجعلنا قدر ما يأكله كل إنسان منهم من العنب رطلا واحدا في يوم واحد، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، فقراء وأغنياء. فكان مبلغ ذلك من أرطال العنب في يوم واحد مائة واثنين «١» وتسعين ألف ألف رطل. فكان مبلغ ما اجتمع من هذه الأرطال على أقرب الأسعار المعتدلة في الأعناب العامة حساب اثني عشر رطلا بدرهم، ستة عشر ألف ألف درهم. وفي الشهر الواحد أربعمائة وثمانين ألف ألف درهم. ثم استظهرنا بإسقاط الأطفال والأمراض ومن لا يأكل العنب بتة، فسقط لهم من عدد الأرطال ستة ألف ألف رطل. فحصل من بعد ذلك عدد الأرطال تسعون ألف ألف رطل عنب.
أفحسبت أيها المعتصم بالعدل والمتفرد بصحة العقل، ان في البعض من ساعات اليوم الواحد والليلة الواحدة ما يتسع لمن ترى من قاطفي الأعناب ومعبئيها ووزّانيها وهم الذين تراهم وترى أن يضعوا من ذلك ما لا بقي به إلّا من هو في حكم القياس أضعافهم عددا. ولكن لله نعم ينعم بها، ورحمة يلطف مقدارها عن مقادير عقول المربوبين وتدبير المدبرين، هو الإقرار له بطوله فيها وقدر على ما بسط علينا منها.
وستعترضك الشكوك فتستريب باليقين الباهر والبرهان المتظاهر. حتى إذا شئت أن لا تنظر بإحدى عينيك [٦٤ أ] وتسمع بالواحدة من أذنيك. علمت أنك إذا رأيت خليفة الله أمير المؤمنين وإمام المسلمين، قد حلّ بمحل من الأرض كحلوله بمدينة السلام. ومن أطاف بأمير المؤمنين من ولاة العهود والأمراء وسائر الولد والوزراء والمتلاحقين بهذه المراتب من الوجوه والرؤساء وأرباب السيوف ووجوه الكتاب وكتابهم وخواص من حولهم وبهم من أرباب النعم والنماء وأرباب الضياع