للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن عجائبها وهو أحد عجائب الدنيا، صورة شبديز «١» . وهو في قرية يقال لها جانان ومصوّره فنطوس بن سنمار. وسنمار هو الذي [٩٦ ب] بنى الخورنق بالكوفة. وكان سبب صورته في هذه القرية أنه كان أزكى الدواب وأعظمها خلقا وأظهرها خلقا وأصبرها على طول الركض. وكان ملك الهند أهداه إلى برويز الملك. فكان لا يبول ولا يروث ما دام عليه سرجه ولجامه ولا ينخر ولا يزبد.

وكانت استدارة حافره ستة أشباره.

[فاتفق أن شبديز اشتكى وزادت شكواه، وعرف أبرويز ذلك وقال: لئن أخبرني أحد بموته لأقتلنه. فلمّا مات شبديز خاف صاحب خيله أن يسأله عنه فلا يجد بدا من أخباره بموته فيقتله. فجاء إلى البهلبند مغنيه- ولم يكن فيما تقدم من الأزمان ولا ما تأخر أحذق منه بالضرب بالعود والغناء-، قالوا: كان لأبرويز ثلاث خصائص لم تكن لأحد من قبله: فرسه شبديز وسريته شيرين ومغنيه بهلبند.

وقال: اعلم أن شبديز قد نفق ومات. وقد عرفت ما أوعد به الملك من أخبره بموته، فاحتل لي حيلة ولك كذا وكذا. فوعده الحيلة.

فلما حضر بين يدي الملك غنّاه غناء ورّى فيه عن القصة إلى أن فطن الملك وقال له: ويحك! مات شبديز؟ فقال: الملك يقوله. فقال له: زه. ما أحسن ما تخلصت وخلصت غيرك. وجزع عليه جزعا عظيما] «٢» . فأمر قنطوس بن سنمار بتصويره. فلما فرغ منه أعلم برويز بذلك. فجاء حتى وقف عليه ونظر إليه واستعبر باكيا عند تأمله إياه وقال: لشدّ ما نعى هذا التمثال إلينا أنفسنا وذكّرنا ما نصير إليه من فساد حالنا. ولئن كان في الظاهر أمر من أمور الدنيا يخلو من أمور الآخرة، إن فيه لدليلا على الإقرار بموت جسدنا وانهدام بدننا وطموس صورتنا ودرس أثرنا

<<  <   >  >>