للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للبلى الذي لا بد منه. مع الإقرار باليأس من البقاء الذي لا سبيل إليه أن يبقى من جمال صورتنا ومثال بدننا إلّا رسما يتجدد به من أمرنا من الباقين بعدنا مع ما يدرس من آثارنا وذكرنا.

فمن خطر بباله هذا فلينظر إلى ما أمرنا به من هذا التمثال. وليستيقن بدروس رسمه وذهاب بهجته وإلّا فالهلاك غالب على أمره. وقد أحدث لنا وقوفنا على هذا التمثال ذكرا لما يصير إليه حالنا. وتوهّمنا وقوف الواقفين عليه بعدنا حتى كأننا بعضهم ومشاهدون لهم أو من حضر ذلك منهم من ذكر الحالتين اللتين اختلفتا بصاحبه من الحياة وصحة البدن ونفاذ الأمر وما حار إلى ذلك محارّه.

ومن عجائب هذا التمثال أنه لم ير مثل صورته صورة ولم يقف عليه أحد منذ صوّر، من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق إلّا استراب بصورته وعجب منها وأطال الفكر فيها. حتى لقد سمعت كثيرا من هذا الصنف يحلفون أو يقاربون اليمين انها ليست من صنعة العباد ولا تصوير المخلوقين.

وسمعت رجلا من كبار المعتزلة ومناظريهم «١» يحلف بالأيمان المغلظة أنه ليس من صنعة العباد، وان لله عزّ وجلّ فيه خبيئة سوف يظهرها يوما ما.

٢/٣١ وسمعت بعض الفقهاء العلماء يقول [٩٧ أ] : لو أن رجلا خرج من فرغانة القصوى وآخر من السوس الأبعد، قاصدين إلى شبديز حتى ينظرا إليه ما عنفا على ذلك.

وأنت إذا فكرت في أمر صورة شبديز هذه وجدتها كما ذكر هذا المعتزلي.

فإنه إن كان من صنعة الآدميين، فقد أعطي ما لم يعط أحد من العالمين. فأي شيء أعجب وأظرف أو أشد امتناعا من أنه سخرت له الحجارة كما يريد، ففي الموضع الذي يحتاج إليه أن يكون أسود، أسود. وفي الموضع الذي يحتاج إليه أن يكون أحمر، أحمر. وكذلك البياض وسائر الألوان. فتبارك الله أحسن الخالقين.

وقال لي أبو علي محمد بن هارون بن زياد- وكان حكيما فيلسوفا- وقد

<<  <   >  >>