فوقع في أصحابه الطاعون فمات عامتهم حتى لم يبق منهم إلّا القليل. ودفنوا في أحواض من خزف فقبورهم معروفة إلى وقتنا هذا في المحال والسكك.
ولم تزل همذان خرابا حتى كانت حرب دارا بن دارا والإسكندر. فإن دارا استشار أصحابه في أمره لمّا أظلّه الإسكندر، فأشاروا عليه بمحاربته بعد أن يحرز حرمه وأمواله وخزائنه بمكان منيع لا يوصل إليه ويتجرد هو للقتال. فقال: انظروا موضعا حريزا حصينا لذلك. فقالوا له: إن من وراء الماهين جبالا لا ترام، وهي شبيهة بالسد. وهناك رسم مدينة عتيقة قد خربت وباد وهلك أهلها وحولها جبال شامخة يقال لها همذان: فالرأي للملك أن يبعث إليها من يأمره ببنائها وإحكامها وأن يجعل في وسطها حصنا يكون للحرم والخزائن والعيال والأموال، وتبنى حول الحصن دور لعيال القواد والخاصة والمرازبة. ثم يوكل بالمدينة اثنا عشر ألف رجل من خاصة الملك وثقاته يحمونها ويقاتلون عنها متى رامها أحد. فأمر ببناء همذان وبنى في وسطها قصرا عظيما مشرفا له ثلاثة أوجه وسماه ساروق وجعل فيه ألف مخبأ لخزائنه وأمواله وأغلق عليه ثمانية أبواب حديد، كل باب في ارتفاع اثني عشر ذراعا. ثم أمر بأهله وولده وخزائنه فحوّلوا إليها وأسكنوها. وجعل في وسط القصر قصرا آخر صيّر فيه خواص حرمه ٢/٣٨ وأحرز أمواله في تلك المخابئ. ووكّل بالمدينة اثني عشر ألف رجل وجعلهم حرسا عليها.
وذكر بعض مشايخ همذان أنها أعتق مدينة بالجبل واستدلوا على ذلك من بقية بناء قديم باق إلى اليوم. وهو طاق عظيم شاهق لا يدرى من بناه وللعامة فيه أخبار عامية يذكرون [١١٢ أ] أنهم وجدوا في هذا الطاق حجرا مكتوب عليه: من إصطخر غدونا وفي هذا الطاق قلنا وبالشام مبيتنا. ويزعمون أن بعض أصحاب سليمان بن داود كتبه. وان سليمان بن داود عليه السلام اجتاز بهذا المكان فرأى غرابا ساقطا عليه- ويقال إن الغراب يعيش ألف سنة- فقال له سليمان: خبرني خبر هذا الطاق ومن بناه. فقال: أنا هاهنا منذ ستمائة سنة، وأقام أبي قبلي هاهنا ألف سنة وجدّي قبل ذلك بألف سنة، وهو على حالته كذا وجدناه ما تغيّر منه