ثم التقيا فأقاما أياما. ثم إن أنوشروان أمر قائدا من قوّاده أن يختار ثلاثمائة رجل من أشدّاء أصحابه، فإذا هدأت العيون أغار في عسكر الخزر. فحرق وعقر ورجع إلى العسكر في خفاء ففعل.
فلما أصبح بعث إليه خاقان: ما هذا؟ بيّت عسكري البارحة؟
فبعث إليه أنوشروان: لم تؤت من قبلنا فابحث وانظر. ففعل، فلم يقف على شيء. ثم أمهله أياما وعاد لمثلها حتى فعل ثلاث مرات، وفي كلها يعتذر ويسأله البحث فيبحث فلا يقف على شيء. فلما أثقل ذلك على خاقان، دعا قائدا من قواده وأمره بمثل ما أمر به أنوشروان. فلما فعل، أرسل إليه أنوشروان: ما هذا؟ استبيح عسكري الليلة وفعل بي وصنع. فأرسل إليه خاقان: ما أسرع ما ضجرت! قد فعل هذا بعسكري ثلاث مرات، وإنما فعل بك أنت مرة واحدة.
فبعث إليه أنوشروان: هذا عمل قوم يريدون أن يفسدوا فيما بيننا، وعندي رأي لو قبلته رأيت ما تحب. قال: وما هو؟ قال: تدعني أن أبني حائطا بيني وبينك وأجعل عليه بابا فلا يدخل بلدك إلّا من تحب ولا يدخل بلدي إلّا من أحب. فأجابه إلى ذلك وانصرف خاقان إلى مملكته.
وأقام أنوشروان يبني الحائط بالصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وعلوّه حتى ألحقه برءوس الجبال ثم قاده في البحر. فيقال إنه نفخ الزقاق وبنى عليها فأقبلت تنزل والبناء يصعد حتى استقرت الزقاق على الأرض، ثم رفع البناء حتى استوى مع الذي على الأرض في عرضه وارتفاعه. وجعل عليه بابا من حديد ووكل به مائة رجل يحرسونه بعد أن كان يحتاج إلى مائة ألف رجل. ثم نصب سريره على الفند الذي صنعه على البحر وسجد سرورا بما هيأه الله على يده ثم استلقى على ظهره وقال: الآن حين استرحت.
ووصف بعضهم هذا السدّ الذي بناه أنوشروان فقال: إنه جعل طرفا منه في البحر فأحكمه إلى حيث لا يتهيأ سلوكه. وهو مبني بالحجارة المنقورة المربعة