للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه. وذلك أن التوسل به حياً هو الطلب لدعائه وشفاعته، وهو من جنس مسألته أن يدعو، فما زال المسلمون يسألونه أن يدعو لهم في حياته، وأما بعد موته فلم يكن الصحابة يطلبون منه ذلك لا عند قبره ولا عند غيره كما يفعله كثير من الناس عند قبور الصالحين (١) ، وإن كان قد روي في ذلك حكايات مكذوبة عن بعض المتأخرين بل طلب الدعاء مشروع لكل مؤمن من كل مؤمن، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب لما استأذنه في العمرة: " لا تنسنا يا أخي من دعائك " حتى إنه أمر عمر أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر له، مع أن عمر رضي الله عنه أفضل من أويس بكثير وقد أمر أمته أن يسألوا الله له الوسيلة وأن يصلوا عليه. وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من رجل يدعو لأخيه في ظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة قال الموكل به: آمين ولك مثل ذلك " (٢) فالطالب للدعاء من غيره نوعان: أحدهما أن يكون سؤاله على وجه الحاجة إليه فهذا بمنزلة أن يسأل الناس قضاء حوائجه، والثاني أنه يطلب منه الدعاء لينتفع الداعي بدعائه له وينتفع هو فينفع الله هذا وهذا بذلك الدعاء كمن يطلب من المخلوق ما يقدر المخلوق عليه، والمخلوق قادر على دعاء الله ومسألته، فطلب الدعاء جائز كمن يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه فإما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يطلب إلا من الله، لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم، لا يجوز أن يقول لغير الله: اغفر لي، واسقنا الغيث، ونحو ذلك. ولهذا روى الطبراني في معجمه


(١) يزعم بعض الناس في زماننا أنه لا فرق في طلب الدعاء والشفاعة منه "ص" بين حالي الحياة والممات لأنه حي في قبره. وكأنهم يدعون أنهم أعلم من الصحابة وسائر السلف بذلك فالصحابة رضي الله عنهم فرقوا بين الحالين وإن شئت قلت بين الحياتين، والأمور التعبدية لا تشرع بالعقل ولا بالقياس
(٢) الحديث في صحيح مسلم بمعنى ما ذكر من حديث أبي الدرداء بثلاثة الفاظ ليس هنا منها فهو مذكور بالمعنى ورواه أبو داود أيضاً

<<  <  ج: ص:  >  >>