للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغنى أحداً ولا أسعده ولا أشقاه وإنما وجوده فاض على الذوات فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك، ويقولون إن هذا هو سر القدر وإن الله تعالى إنما علم الأشياء من جهة رؤيته لها ثابتة في العدم خارجاً عن نفسه المقدسة، ويقولون إن الله تعالى لا يقدر أن يغير ذرة من العالم، وإنهم قد يعلمون الأشياء من حيث علمها سبحانه فيكون علمهم وعلم الله تعالى من معدن واحد، وإنهم يكونون أفضل من خاتم الرسل من بعض الوجوه لأنهم يأخذون من المعدن الذي أخذ منه الملك الذي يوحى به الرسل، ويقولون إنهم لم يعبدوا غير الله ولا يتصور أن يعبدوا غير الله تعالى، وإن عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله سبحانه، وإن قوله تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " معنى حكم لا معنى أمر فما عبد غير الله في كل معبود فإن الله تعالى ما قضى بشيء إلا وقع، ويقولون إن الدعوة إلى الله تعالى المكر بالمدعو فإنه ما عدم من البداية، فيدعى إلى الغاية، وإن قوم نوح قالوا: " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً " لأنهم لو تركوهم لتركوا من الحق بقدر ما تركوا منهم، لأن الحق في كل معبود وجهاً يعرفه من عرفه وينكره من أنكره وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، وإن العارف منهم يعرف من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد، فإن الجاهل يقول هذا حجر وشجر، والعارف يقول هذا محل إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر، فإن النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا، وإن عباد الأصنام ما أخطأوا إلا من حيث اقتصارهم على عبادة بعض المظاهر، والعارف يعبد كل شيء، والله يعبد أيضاً كل شيء لأن الأشياء غذاؤه بالأسماء والأحكام وهو غذاؤها بالوجود، وهو فقير إليها وهي فقيرة إليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>