وترك المحظور فقد تم حجه وعمرته لله وهو مقتصد من أصحاب اليمين في هذا العمل، لكن من أتى بالمستحب فهو أكمل منه وأتم حجاً وعملاً وهو سابق مقرب، ومن ترك المأمور وفعل المحظور لكنه أتى بأركانه وترك مفسداته فهو حج ناقص يثاب على ما فعله من الحج ويعاقب على ما تركه، وقد سقط عنه أصل الفرض بذلك مع عقوبته على ما ترك، ومن أخل بركن أو فعل مفسداً فحجه فاسد لا يسقط به فرضه بل عليه إعادته، مع أنه قد تنازعوا في إثباته على ما فعله وإن لم يسقط به الفرض، والأشبه أنه يثاب عليه، فصار الحج ثلاثة أقسام كاملاً بالمستحبات، وتاماً بالواجبات فقط، وناقصاً عن الواجب، والفقهاء يقسمون الوضوء إلى كامل فقط ومجزئ، ويريدون بالكامل ما أتى بمفروضه ومسنونه بالمجزئ ما اقتصر على واجبه، فهذا في الأعمال المشروعة وكذلك في الأعيان المشهودة فإن الشجرة مثلاً اسم لمجموع الجذع والأغصان وهي بعد ذهاب الورق شجرة كاملة وبعد ذهاب الأغصان شجرة ناقصة، فليكن مثل ذلك في مسمى الإيمان.
والذين قالوا (١) الإيمان ثلاث درجات: إيمان السابقين المقربين، وهو ما أتي فيه بالواجبات والمستحبات من فعل وترك، وإيمان المقتصدين أصحاب اليمين وهو ما ترك صاحبه فيه بعض الواجبات، أو فعل فيه بعض المحظورات، ولهذا قال علماء السنة: لا يكفر أحد بذنب، إشارة إلى بدعة الخوارج الذين يكفرون بالذنب، وإيمان الظالمين لأنفسهم وهو من أقر بأصل الإيمان وهو الإقرار بما جاءت به الرسل عن الله وهو شهادة أن لا إله إلا الله ولم يفعل المأمورات ويجتنب المحظورات، فإن أصل الإيمان التصديق والانقياد فهذا أصل الإيمان الذي من لم يأت به فليس بمؤمن وقد تواتر في الأحاديث:" أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان - مثقال حبة من خير - مثقال ذرة من خير " و " الإيمان بضع وستون أو بضع
(١) قوله والذين قالوا - ليس بعده ما يصلح أن يكون خبراً له فالظاهر أن أصله: وقالوا