بينا، وكثير من النزاع قد يكون الصواب فيه في قول آخر غير القولين اللذين قالاهما، وكثير من النزاع قد يكون مبنياً على أصل ضعيف إذا بين فساده ارتفع النزاع فأول ما في هذا السؤال قولهما: الأحرف التي أنزلها الله على آدم، فإنه قد ذكر بعضهم أن الله أنزل عليه حروف المعجم مفرقة مكتوبة، وهذا ذكره ابن قتيبة في المعارف وهو ومثله يوجد في التواريخ كتاريخ ابن جرير الطبري ونحوه، وهذا ونحوه منقول عمن ينقل الأحاديث الإسرائيلية ونحوها من أحاديث الأنبياء المتقدمين، مثل وهب بن منبه وكعب الأحبار، ومالك ابن دينار، ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وقد أجمع المسلمون على أن ما ينقله هؤلاء عن الأنبياء المتقدمين لا يجوز أن يجعل عمدة في دين المسلمين إلا إذا ثبت ذلك بنقل متواتر، أو أن يكون منقولاً عن خاتم المرسلين، وأيضاً فهذا النقل قد عارضه نقل آخر وهو أن من خط وخاط إدريس، فهذا منقول عن بعض السلف وهو مثل ذلك وأقوى، فقد ذكروا فيه إن إدريس أول من خاط الثياب وخط بالقلم، وعلى هذا فبنو آدم من قبل إدريس لم يكونوا يكتبون بالقلم ولا يقرؤون كتباً. والذي في حديث أبي ذر المعروف عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إن آدم كان نبياً مكلماً كلمه الله قبلاً " وليس فيه أنه أنزل عليه شيئاً مكتوباً، فليس فيه أن الله أنزل على آدم صحيفة ولا كتاباً ولا هذا معروف عند أهل الكتاب، فهذا يدل على أن هذا لا أصل له ولو كان هذا معروفاً عند أهل الكتاب لكان هذا النقل ليس هو في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من جنس الأحاديث الإسرائيلية التي لا يجب الإيمان بها، بل ولا يجوز التصديق بصحتها إلا بحجة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه ".
والله سبحانه علم آدم الأسماء كلها وأنطقه بالكلام المنظوم، وأما تعليم حروف