الأول غير مخلوق، والمشار إليه الثاني مخلوق، والمشار إليه الثالث فمنه مخلوق ومنه غير مخلوق، وما يوجد في كلام الآدميين من نظير هذا هو نظير صفة العبد لا نظير صفة الرب أبداً، وإذا قال القائل القاف في قوله:" أقم الصلاة لذكري " كالقاف في قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
قيل وما تكلم الله به وسمع منه لا يماثل صفة المخلوقين، ولكن إذا بلغنا كلام الله فإنما بلغناه بصفاتنا وصفاتنا مخلوقة والمخلوق يماثل المخلوق.
وفي هذا جواب للطائفتين لمن قاس ثفة المخلوق بصفة الخالق فجعلها غير مخلوقة، فإن الجهمية المعطلة أشباه اليهود، والحلولية الممثلة أشباه النصارى دخلوا في هذا وهذا، أولئك مثلوا الخالق بالمخلوق فوصفوه بالنقائض التي تختص بالمخلوق كالفقر والبخل، وهؤلاء مثلوا المخلوق بالخالق فوصفوه بخصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله، والمسلمون يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبتون له ما يستحقه من صفات الكمال، وينزهونه عن الأكفاء والأمثال، فلا يعطلون الصفات ولا يمثلونها بصفات المخلوقات، فإن المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً، والله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".
ومما ينبغي أن يعرف أن كلام المتكلم في نفسه واحد، وإذا بلغه المبلغون تختلف أصواتهم به فإذا أنشد المنشد قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
كان هذا الكلام كلام لبيد لفظه ومعناه مع أن أصوات المنشدين له تختلف وتلك الأصوات ليست صوت لبيد، وكذلك من روى حديث النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه كقوله:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى " كان هذا الكلام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظه ومعناه، ويقال لمن رواه أدى الحديث بلفظه وإن كان صوت المبلغ ليس هو صوت الرسول، فالقرآن أولى أن يكون كلام