في أنفسها والله خالق كل شيء، وأما الذهني الجناني فهو العلم بها الذي في القلوب، والعبارة عن ذلك هو اللساني، وكتابة ذلك هو الرسمي البناني، وتعليم الخط يستلزم تعليم العبارة واللفظ وذلك يستلزم تعليم العلم فقال:" علم بالقلم " لأن التعليم بالقلم يستلزم المراتب الثلاث، وأطلق التعليم ثم خص فقال " علم الإنسان ما لم يعلم " وقد تنازع الناس في وجود كل شيء، هل هو عين ماهيته أم لا، وقد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبين أن الصواب من ذلك أنه قد يراد بالوجود ما هو ثابت في الأعيان، ليس ما هو ماهيتها المتصورة في الأذهان، لكن الله خلق الموجود الثابت في الأعيان وعلم الماهيات المتصورة في الأذهان، كما أنزل بيان ذلك في أول سورة أنزلها من القرآن، وقد يراد بالوجوه والماهية كليهما ما هو متحقق في الأعيان، وما هو متحقق في الأذهان، فإذا أريد بهذا وهذا ما هو متحقق في الأعيان أو ما هو متصور في الأذهان، فليس هما اثنين (١) بل هذا هو هذا، وكذلك الذهن إذا تصور شيئاً فتلك الصورة هي المثال الذي تصورها وذلك هو وجودها الذهني الذي تتصوره الأذهان، فهذا فصل الخطاب في هذا الباب ومن تدبر هذه المسائل وأمثالها تبين له أن أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء " ومن لم يجعل الله له نوراً فما من نور " وقد بسط الكلام على أصول هذه المسائل وتفاصيلها في مواضع أخرى، فإن الناس كثر نزاعهم فيها حتى قيل: مسألة الكلام، حيرت عقول الأنام، ولكن سؤال هذين لا يحتمل البسط الكثير فإنهما يسألان بحسب ما سمعاه واعتقداه وتصوراه، فإذا عرف السائل أصل مسألته ولوازمها وما فيها من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة تبين له أن من الخلق من تكلم في مثل هذه الأسماء بالنفي والإثبات من غير تفصيل فلا بد له أن يقابله آخر بمثل إطلاقه.
(١) كانت في الأصل (في الايمان) ولم يكن المعنى بها ظاهراً