للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أن ينزله، والله تعالى يعلم ما كان وما لا يكون إن لو كان كيف كان يكون، وهو سبحانه قدر مقادير الخلائق وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها، كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة وآثار السلف، ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعد ما يعملونها، فيقابل من الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنها فلا يكون بينهما تفاوت، هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف وهو حق، فإذا كان ما يخلقه ثابتاً عنه قبل كتبه أن يخلقه فكيف يستبعد أن يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أن يرسلهم به.

ومن قال إن جبريل أخذ القرآن عن الكتاب لم يسمعه من الله كان هذا باطلاً من وجوه: منها أن يقال إن الله تعالى كتب التوراة لموسى بيده فبنوا إسرائيل أخذوا كلام الله من الكتاب الذي كتبه هو سبحانه فيه (١) ، فإن كان محمد أخذه من جبريل وجبريل عن الكتاب كان بنو إسرائيل أعلا من محمد بدرجة، ومن قال إنه ألقي إلى جبريل معاني وأن جبريل عبر عنها بالكلام العربي، فقوله يستلزم أن يكون جبريل ألهمه إلهاماً، وهذا الإلهام يكون لآحاد المؤمنين كما قال تعالى: " وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي " وقال " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه " وقد أوحى إلى سائر النبيين، فيكون هذا الوحي الذي لا يكون لآحاد الأنبياء والمؤمنين أعلا من أخذ محمد القرآن عن جبريل لأن جبريل الذي علمه لمحمد هو بمنزلة الواحد من هؤلاء، ولهذا زعم ابن عربي أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، قال: لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول، فجعل أخذه وأخذ الملك الذي جاء إلى الرسول من معدن واحد، وادعى أن أخذه عن الله أعلا من أخذ الرسول للقرآن، ومعلوم أن هذا من أعظم الكفر، وإن هذا القول من جنسه.


(١) الذي عندهم أن الذي كتبه الله في الألواح هو الوصايا العشر لاكل ما يسمونه التوراة

<<  <  ج: ص:  >  >>