نقيض هذا القول من غير دخول في مذهب ابن كلاب مع اتفاق الطائفتين على أن القرآن كله كلام الله لم يحدث غيره شيئاً منه، ولا خلق منه شيئاً في غيره، لا حروفه ولا معانيه، مثل حسين الكرابيسي وداود بن علي الأصبهاني وأمثالهما.
وحدث مع هذا من يقول بقول ابن كلاب: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفس المتكلم هو الأمر بكل ما أمر به والنهي عن كل ما نهى عنه والإخبار بكل ما أخبر به، وأنه إن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن وإن عبر عنه بالعبرية كان هو التوراة.
وجمهور الناس من أهل السنة والمعتزلة وغيرهم أنكروا ذلك وقالوا إن فساد هذا معلوم بصريح العقل فإن التوراة إذا عربت لم تكن هي القرآن ولا معنى " قل هو الله أحد " هو معنى " تبَّت " وكان يوافقهم على إطلاق القول بأن التلاوة غير المتلو وأنها مخلوقة من لا يوافقهم على هذا المعنى، بل قصده أن التلاوة أفعال العباد وأصواتهم، وصار أقوام يطلقون القول بأن التلاوة غير المتلو وأن اللفظ بالقرآن مخلوق فمنهم من يعرف أنه موافق لابن كلاب ومنهم من يعرف مخالفته له، ومنهم من لا يعرف منه هذا ولا هذا، وصار أبو الحسن الأشعري ونحوه ممن يوافق ابن كلاب على قوله موافقاً للإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في المنع من إطلاق هذا وهذا، فيمنعون أن يقال اللفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، وهؤلاء منعوه من جهة كونه يقال في القرآن أنه بلفظ أو لا بلفظ، وقالوا: اللفظ الطرح والرمي، ومثل هذا لا يقال في القرآن، ووافق هؤلاء على التعليل بهذا طائفة ممن لا يقول بقول ابن كلاب في الكلام كالقاضي أبي يعلى وأمثاله، ووقع بين أبي نعيم الأصبهاني وأبي عبد الله بن منده في ذلك ما هو معروف وصنف أبو نعيم في ذلك كتابه في الرد على اللفظ والحلولية ومال فيه إلى جانب النفاة القائلين بأن التلاوة مخلوقة، كما مال ابن منده إلى جانب من يقول إنها غير مخلوقة، وحكى كل منهما