لم يزل الله عالماً متكلماً له المشيئة في خلقه، والقرآن كلام الله وليس بمخلوق فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر.
وقال وكيع بن الجراح: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن شيئاً من الله مخلوق، فقيل له: من أين قلت هذا؟ قال: لأن الله يقول " ولكن حق القول مني " ولا يكون من الله شيء مخلوق، وهذا القول قاله غير واحد من السلف.
وقال أحمد بن حنبل: كلام الله من الله ليس ببائن منه، وهذا معنى قول السلف القرآن كلام الله منه بدا ومنه خرج وإليه يعود كما في الحديث الذي رواه أحمد غيره عن جبير بن نفير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه " يعني القرآن. وقد روي عن أبي أمامة مرفوعاً.
وقال أبو بكر الصديق لأصحاب مسيلمة الكذاب، لما سمع قرآن مسيلمة: ويحكم أين يذهب بعقولكم؟ إن هذا كلاماً لم يخرج من إلٍ " أي من رب.
وليس معنى قول السلف والأئمة: أنه منه خرج ومنه بدا، أنه فارق ذاته وحل بغيره فإن كلام المخلوق إذا تكلم به لا يفارق ذاته ويحل بغيره، فكيف يكون كلام الله؟ قال تعالى: " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً " فقد أخبر أن الكلمة تخرج من أفواههم ومع هذا فلم تفارق ذاتهم.
وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وتحل بغيره، لا صفة الخالق ولا صفة المخلوق، والناس إذا سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم بلغوه عنه كان الكلام الذي بلغوه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغوه بحركاتهم وأصواتهم فالقرآن أولى بذلك، فالكلام كلام البارئ والصوت صوت القارئ قال تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ". وقال صلى الله عليه وسلم: " زينوا القرآن بأصواتكم ".
ولكن مقصود السلف الرد على هؤلاء الجهمية فإنهم زعموا أن القرآن خلقه الله في غيره فيكون قد ابتدأ وخرج من ذلك المحل الذي خلق فيه لا من الله، كما