للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عليه وبها صار نبياً، ثم أنزل عليه سورة المدثر، وبها صار رسولاً لقوله (ثم فأنذر) ولهذا ذكر سبحانه في هذه السورة الوجود العيني والوجود العلمي. وهذا أمر بين يعقله الإنسان بقلبه لا يحتاج فيه إلى سمع، فإن الشيء لا يكون قبل كونه. وأما كون الأشياء معلومة لله قبل كونها فهذا حق لا ريب فيه. وكذلك كونها مكتوبة عنده أو عند ملائكته، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وجاءت به الآثار.

وهذا العلم والكتاب هو القدر الذي ينكره غالية القدرية ويزعمون أن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وجودها وهم كفار، كفرهم الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما.

وقد بين الكتاب والسنة هذا القدر وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال الوارد عليه، وهو ترك العمل لأجله، فأجاب صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة (١) فجعل ينكت بمخصرته ثم قال " ما منكم من أحد - أو قال - ما نفس منفوسة إلا قد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة " قال فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ فقال " اعملوا فكل ميسر: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة - ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى) إلى آخر الآيات " وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالساً وفي يده عود ينكت به الأرض فرفع رأسه فقال " ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار " قالوا يا رسول الله فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال " لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له - ثم قرأ (فأما من أعطى) الآية ".

وفي الصحيحين أيضاً عن عمران بن حصين قال: قيل يا رسول الله، أعلم أهل


(١) كمكنسة:ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب والخطيب إذا خطب

<<  <  ج: ص:  >  >>