لكن إنما ثبتت في التقدير المعدوم الممكن الذي سيكون، فأما المعدوم الممكن الذي لا يكون فمثل إدخال المؤمنين النار وإقامة القيامة قبل وقتها، وقلب الجبال يواقيت ونحو ذلك، فهذا المعدوم ممكن وهو شيء ثابت في العدم عند من يقول المعدوم شيء، ومع هذا فليس بمقدر كونه، والله يعلمه على ما هو عليه، يعلم أنه ممكن وأنه لا يكون، وكذلك الممتنعات مثل شريك الباري وولده، فإن الله يعلم أنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ويعلم أنه ليس له شريك في الملك ولا ولي من الذل ويعلم أنه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، ويعلم أنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. وهذه المعدومات الممتنعة ليست شيئاً باتفاق العقلاء مع ثبوتها في العلم، فظهر أنه قد ثبت في العلم ما لا يوجد وما يمتنع أن يوجد إذ العلم واسع، فإذا توسع المتوسع وقال المعدوم شيء في العلم أو موجود في العلم أو ثابت في العلم فهذا صحيح، أما أنه في نفسه شيء فهذا باطل، وبهذا تزول الشبهة الحاصلة في هذه المسألة.
والذي عليه أهل السنة والجماعة وعامة عقلاء بني آدم من جميع الأصناف: أن المعدوم ليس في نفسه شيئاً وأن ثبوته ووجوده وحصوله شيء واحد، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع القديم، قال الله تعالى لزكريا (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) فأخبر أنه لم يك شيئاً. وقال تعالى (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً) وقال تعالى (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) فأنكر عليهم اعتقاد أن يكونوا خلقوا من غير شيء خلقهم أم خلقوا هم أنفسهم، ولهذا قال جبير بن مطعم: لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة أحسست بفؤادي قد انصدع. ولو كان المعدوم شيئاً لم يتم الإنكار، إذا جاز أن يقال ما خلقوا إلا من شيء، لكن هو معدوم يكون الخالق لهم شيئاً معدوماً. وقال تعالى (فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً) ولو كان المعدوم شيئاً لكان التقدير: لا يظلمون موجوداً ولا معدوماً، والمعدوم لا يتصور أن يظلموه فإنه ليس لهم.
وأما قوله (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) فهو إخبار عن الزلزلة الواقعة