الجهة الأخرى لكن بتقدير فرض الإدلاء، لا يكون ما ذكر من الجزاء.
فهكذا ما ذكره السائل إذا قدر أن العبد يقصده من تلك الجهة كان هو سبحانه يسمع كلامه، وإن كان متوجهاً إليه بقلبه، لكن هذا ما يمتنع من الفطرة لأن قصده للشيء التام ينافي قصد ضده. فكما أن الجهة العليا بالذات تنافي الجهة السفلى، فكذلك قصد الأعلى بالذات ينافي قصده من أسفل، فكما أن ما يهبط إلى جوف الأرض يمتنع صعوده إلى تلك الناحية لأنها عالية فترد الهابط بعلوها، كما أن الجهة العليا من عندنا ترد ما يصعد إليها من الثقيل فلا يصعد الثقيل إلا برافع يرفعه يدافع به ما في قوته من الهبوط، فكذلك ما يهبط من أعلى الأرض إلى أسفلها وهو المركز، لا يصعد من هناك إلى ذلك الوجه إلا برافع يرفعه يدافع به ما في قوته من تلك الناحية، وصعد به إلى الله.
وإنما يسمى هبوطاً باعتبار ما في أذهان المخاطبين أن ما يحاذي أرجلهم يكون هابطاً ويسمى هبوطاً مع تسمية إهباطه إدلاء، وهو إنما يكون إدلاء حقيقياً إلى المركز، ومن هناك إنما يكون مدخلاً للحبل والدلو لا إدلاء له (١) .
لكن الجزاء والشرط مقدران لا محققان، فإنه قال: لو أدلى لهبط، أي لو فرض أن هناك هبوطاً وهو يكون إدلاء وهبوطاً إذا قدر أن السموات تحت الأرض وهذا التقدير منتف ولكن فائدته بيان الإحاطة والعلو من كل جانب.
وهذا المفروض ممتنع في حقنا لا نقدر عليه، فلا يتصور أن يهبط على الله شيء
(١) كذا في الأصل والمدح ولا يظهر معناه هنا والذي يقتضيه المقام أن يقال إن ما يمد أو يدفع من مركز الكرة إلى أي جانب من المحيط يكون مده أو دفعه رفعا وإعلاء له لاادالاء لأن المركز هو الاسفل والمحيط هو الأعلى كما تقدم