فإذا قيل: الوجود إما واجب وإما ممكن والممكن لا بد له من واجب فيلزم ثبوت الواجب على التقديرين، فهو مثل أن يقال. الموجود إما قديم وإما حادث والحادث لا بد له من قديم فيلزم ثبوت القديم على التقديرين، والموجود إما غني وإما فقير، والفقير لا بد له من الغنى، فلزم وجود الغني على التقديرين. والموجود إما قيوم بنفسه وإما غير قيوم، وغير القيوم لا بد له من القيوم. فلزم ثبوت القيوم على التقديرين. والموجود إما مخلوق وإما غير مخلوق، والمخلوق لا بد له من خالق غير مخلوق، فلزم ثبوت غير المخلوق على التقديرين ونظائر ذلك متعددة. ثم يقال: هذا الواجب القديم الخالق إما أن يكون ثبوت الكمال الذي لا نقص فيه الممكن الوجود ممكناً له وإما أن لا يكون والثاني ممتنع لأن هذا ممكن للموجود المحدث الفقير الممكن، فلأن يمكن للواجب الغني القديم بطريق الأولى والأحرى، فإن كلاهما موجود، والكلام في الكمال الممكن الوجود الذي لا نقص فيه فإذا كان الكمال الممكن الوجود ممكناً للمفضول فلأن يمكن للفاضل بطريق الأولى، لأن ما كان ممكناً لما وجوده ناقص فلأن يمكن لما وجوده أكمل منه بطريق الأولى، لا سيما وذلك أفضل من كل وجه فيمتنع اختصاص المفوض لمن كل وجه بكمال لا يثبت للأفضل من كل وجه، بل ما قد ثبت من ذلك للمفضول فالفاضل أحق به فلأن يثبت للفاضل بطريق الأولى، ولأن ذلك الكمال إنما استفاده المخلوق من الخالق والذي جعل غيره كاملاً هو أحق بالكمال منه، فالذي جعل غيره قادراً أولى بالقدرة، والذي علم غيره أولى بالعلم، والذي أحيا غيره أولى بالحياة. والفلاسفة توافق على هذا، ويقولون: كل كمال للمعلول فهو من آثار العلة والعلة أولى به. وإذا ثبت إمكان ذلك له فما توقف على غيره لم يكن موجوداً له إلا بذلك الغير، وذلك الغير إن كان مخلوقاً له لزم الدور القبلي الممتنع فإن ما في ذلك الغير