الواجبة له فرض ممتنع، وحينئذ فإذا كان فرض عدم هذا ممتنعاً عموماً وخصوصاً فقول القائل يكون مفتقراً إليها وتكون مفتقرة إليه إنما يعقل مثل هذا في شيئين يمكن وجود كل واحد منهما دون الآخر، فإذا امتنع هذا بطل هذا التقدير. ثم يقال: ما تعني بالافتقار؟ أتعني أن الذات تكون فاعلة للصفات مبدعة لها أو بالعكس؟ أم تعني التلازم وهو أن لا يكون أحدهما إلا بالآخر؟ فإن عنيت افتقار المفعول إلى الفاعل فهذا باطل، فإن الرب ليس بفاعل لصفاته اللازمة له بل لا يلزمه شيء معين من أفعاله ومفعولاته؟ فكيف تجعل صفاته مفعولة له، وصفاته لازمة لذاته ليست من مفعولاته؟ وإن عنيت التلازم فهو حق. وهذا كما يقال لا يكون موجوداً ويقال أيضاً لا يكون موجوداً إلا أن يكون قديماً واجباً بنفسه ولا يكون عالماً قادراً إلا أن يكون حياً، فإذا كانت صفاته متلازمة كان ذلك أبلغ في الكمال من جواز التفريق بينهما، فإنه لو جاز وجوده بدون صفات الكمال لم يكن الكمال واجباً له بل ممكناً له، وحينئذ فكان يفتقر في ثبوته له إلى غيره، وذلك نقص ممتنع عليه كما تقدم بيانه، فعلم أن التلازم بين الذات وصفات الكمال هو كمال الكمال.
فصل
وأما القائل: إنها أعراض لا تقوم إلا بجسم مركب والمركب ممكن محتاج، وذلك عين النقص. فللمثبتة للصفات في إطلاق لفظ العرض على صفاته ثلاث طرق: منهم من يمنع أن تكون أعراضاً ويقول: بل هي صفات وليس أعراضاً كما يقول ذلك الأشعري وكثير من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيره، ومنهم من يطلق عليها لفظ الأعراض كهشام وابن كرام وغيرهما، ومنهم من يمتنع من الإثبات والنفي كما قالوا في لفظ الغير، وكما امتنعوا عن مثل ذلك في لفظ الجسم ونحوه، فإن قول القائل " العلم عرض " بدعة، وقوله: ليس بعرض - بدعة - كما أن قوله " الرب جسم " بدعة، وقوله " ليس بجسم " بدعة. وكذلك أن لفظ الجسم يراد به في اللغة: البدن والجسد، كما ذكر ذلك الأصمعي وأبو زيد وغيرهما من أهل اللغة. وأما أهل الكلام فمنهم من يريد به