للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شعر ابن إسرائيل وما ينقل عن شيخه الحريري، وكذلك يوجد نحو منه في كلام كثير من الناس غير هؤلاء هو مبني على هذا المذهب مذهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وكثير من أهل السلوك الذين لا يعتقدون هذا المذهب يسمعون شعر ابن الفارض وغيره فلا يعرفون أن مقصوده هذا المذهب، فإن هذا الباب وقع فيه من الاشتباه والضلال، ما حير كثيراً من الرجال.

وأصل ضلال هؤلاء أنهم لم يعرفوا مباينة الله سبحانه للمخلوقات وعلوه عليها، وعلموا أنه موجود فظنوا أن وجوده لا يخرج عن وجودها، بمنزلة من رأى شعاع الشمس فظن أنه الشمس نفسها، ولما ظهرت الجهمية المنكرة لمباينة الله وعلوه على خلقه افترق الناس في هذا الباب على أربعة أقوال، فالسلف والأئمة يقولون: إن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه (١) كما دل على ذلك الكتاب والسنة


(١) هذه الكلمة المأثورة بالروايات الصحيحة المسندة إلى أئمة السلف قد جمعت في صفات الله تعالى بين قبول نصوص الكتاب والسنة وبين التنزيه المطلق الذي أراده الجهمية والمعتزلة وبعض نظار الأشعرية بتأويل النصوص بالتحكم والتكلف المؤدي إلى تعطيلها وجعلها كاللغو حتى لا يذكرونها في عقائدهم ويسمون من يذكرها على إطلاقها مشبها - فمباينة الله تعالى لخلقه ابلغ ما يقال في تنزيهه عن مشابهتهم في شأن ما من شؤون الربوبية والإلوهية أو مشابهته لهم في شأن ما من شؤون المخلوقين، فعلوه تعالى على خلقه واستواؤه على عرشه فوق جميع سماواته لا يقتضي مع ما ذكر من المباينة أن يكون محصوراً أو محدوداً أو متحيزاً، إنما علوه سبحانه علو مباينة لها لا كعلو بعضها على بعض، فإن هذا أمر إضفي لا حقيقة له في نفسه، يعترف بهذا جميع الفلاسفة وعلماء المعقول في كل زمان

<<  <  ج: ص:  >  >>