للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنت عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس بالكاذب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً " ولم يرخص فيما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاث في الإصلاح بين الناس وفي الحرب وفي الرجل يحدث امرأته.

قال فهذا كله من المعاريض خاصة ولهذا نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم اسم الكذب باعتبار القصد والغاية كما ثبت عنه أنه قال " الحرب خدعة " وأنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها.

ومن هذا الباب قول الصديق في سفر الهجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل يهديني السبيل " وقول النبي صلى الله عليه وسلم للكافر السائل له في غزوة بدر " نحن من ماء " وقوله للرجل الذي حلف على المسلم الذي أراد الكفار أسره " أنه أخي " وعنى أخوة الدين، وفهموا منه أخوة النسب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن كنت لأبرهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم ".

والمقصود هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الاغتياب وبين البهتان، وأخبر أن المخبر بما يكره أخوه المؤمن عنه إذا كان صادقاً فهو المغتاب، وفي قوله صلى الله عليه وسلم " ذكرك أخاك بما يكره " موافقة لقوله تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) فجعل جهة التحريم كونه أخاً أخو الإيمان، ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال المؤمن، فكلما كان أعظم إيماناً كان اغتيابه أشد.

ومن جنس الغيبة الهمز واللمز، فإن كلاهما فيه عيب الناس والطعن عليهم كما في الغيبة، لكن الهمز هو الطعن بشدة وعنف، بخلاف اللمز فإنه قد يخلو من الشدة والعنف، كما قال تعالى (ومنهم من يلمزك في الصدقات) أي يعيبك ويطعن عليك. وقال تعالى (ولا تلمزوا أنفسكم) أي لا يلمز بعضكم بعضاً. وقال (هماز مشاء بنميم) وقال (ويل لكل همزة لمزة) .

إذا تبين هذا فنقول: ذكر الناس بما يكرهون هو في الأصل على وجهين (أحدهما) ذكر النوع (والثاني) ذكر الشخص المعين الحي أو الميت.

أما الأول فكل صنف ذمه الله ورسله يجب ذمه وليس ذلك من الغيبة كما أن كل صنف مدحه الله ورسوله يجب مدحه، وما لعنه الله ورسوله لعن كما أن من صلى الله عليه وملائكته يصلى عليه، فالله تعالى ذم الكافر والفاجر والفاسق والظالم والغاوي والضال والحاسد والبخيل والساحر وآكل الربا وموكله

<<  <  ج: ص:  >  >>