كله لله، فمن تكلم في ذلك بغير علم أو بما يعلم خلافه كان آثماً وكذلك القاضي والشاهد والمفتي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة: رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق فقضى بخلاف ذلك فهو في النار " وقد قاتل تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى إن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) واللي هو الكذب والإعراض كتمان الحق ومثله ما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذاب وكتما محقت بركة بيعهما ".ثم القائل في ذلك بعلم لا بد له من حسن النية فلو تكلم بحق لقصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء. وإن تكلم لأجل الله تعالى مخلصاً له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل، وليس هذا الباب مخالفاً لقوله " الغيبة ذكرك أخاك بما يكره " فإن الأخ هو المؤمن وأخا المؤمن إن كان صادقاً في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا الحق الذي يحبه الله ورسوله وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه، بل عليه أن يقوم بالقسط ويكون شاهداً لله ولو على نفسه أو والديه أو أقربيه، ومتى كره هذا الحق كان ناقصاً في إيمانه، ينقص من أخوته بقدر ما نقص من إيمانه، فلم يعتبر كراهته من الجهة التي نقص منها إيمانه إذ كراهته لما يحبه الله ورسوله توجب تقديم محبة الله ورسوله كما قال تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) .ثم قد يقال: هذا لم يدخل في حديث الغيبة لفظاً ومعنى وقد يقال دخل في ذلك الذين خص منه كما يخص العموم اللفظي والعموم المعنوي وسواء زال الحكم لزوال سببه أو لوجود مانعه فالحكم واحد والنزاع في ذلك يؤول إلى اللفظ إذ العلة قد يعني بها التامة وقد يعني بها المقتضي والله أعلم وأحكم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم