فقول القائل:" إن الله لطّف ذاته فسماها حقاً، وكثفها فسماها خلقاً " هو من أقوال الوحدة والحلول والاتحاد، وهو باطل فإن اللطيف إن كان هو الكثيف فالحق هو الخلق ولا تلطيف ولا تكشيف، وإن كان اللطيف غير الكثيف فقد ثبت الفرق بين الحق والخلق، وهذا هو الحق، وحينئذ فالحق لا يكون خلقاً فلا يتصور أن ذات الحق يكون خلقاً بوجه من الوجود كما أن ذات المخلوق لا تكون ذات الخالق بوجه من الوجوه.
وكذلك قول الآخر ظهر فيها حقيقة واحتجب عنها مجازاً فإنه إن كان الظاهر غير المظاهر فقد ثبت الفرق بين الرب والعبد، وإن لم يكن أحدهما غير الآخر فلا يتصور ظهور واحتجاب.
ثم قوله:" فمن كان من أهل الحق شهدها مظاهر ومجالي، ومن كان من أهل الفرق شهدها ستوراً وحجباً ". كلام ينقض بعضه بعضاً فإنه إن كان الوجود واحداً لم يكن أحد الشاهدين عين الآخر ولم يكن الشاهد عين المشهود ولهذا قال بعض شيوخ هؤلاء: من قال إن في الكون سوى الله فقد كذب، فقال له آخر فمن الذي يكذب؟ فأفحمه. وهذا لأنه إذا لم يكن موجود سوى الواجب بنفسه كان هو الذي يكذب ويظلم ويأكل ويشرب. وهكذا يصرح به أئمة هؤلاء كما يقول صاحب الفصوص وغيره أنه موصوف بجميع صفات الذم، وأنه هو الذي يمرض ويضرب وتصيبه الآفات ويوصف بالمصائب والنقائص، كما إنه هو الذي يوصف بنعوت المدح والذم، قال: فالعلي لنفسه هو الذي يكون له جميع الصفات