في مثل ما يهوونه من المحرمات على أنواع من الأذى والآلام وهؤلاء هم الذين يريدون علواً في الأرض أو فساداً من طلاب الرياسة والعلو على الخلق ومن طلاب الأموال بالبغي والعدوان والاستمتاع بالصور المحرمة نظراً أو مباشرة وغير ذلك يصبرون على أنواع من المكروهات ولكن ليس لهم تقوى فيما تركوه من المأمور، وفعلوه من المحظور، وكذلك قد يصبر الرجل على ما يصبه من المصائب كالمرض والفقر وغير ذلك ولا يكون فيه تقوى إذا قدر.
وأما القسم الرابع فهو شر الأقسام لا يتقون إذا قدروا لا يتقون إذا قدروا ولا يصبرون إذا ابتلوا بل هم كما قال الله تعالى:" أن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً " فهؤلاء تجدهم من أظلم الناس وأجبرهم إذا قدروا ومن أذل الناس وأجزعهم إذا قهروا إن قهرتهم ذلوا لك ونافقوك وحابوك واسترحموك، ودخلوا فيما يدفعون به عن أنفسهم قلبا، من أنواع الكذب
والذل وتعظيم المسؤل، وإن قهروك كانوا من أظلم الناس وأقساهم قلبا، وأقلهم رحمة وإحسانا
وعفوا، كما قد جربه المسلمون في كل من كان عن حقائق الإيمان أبعد مثل التتار الذين قاتلهم المسلمون ومن يشبههم في كثير من أمورهم (١) وإن كان متظاهرا بلباس جند المسلمين وعلمائهم وزهادهم وتجارهم
وصناعهم، فالاعتبار بالحقائق " فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" فمن كان قلبه وعمله من جنس قلوب التتار وأعمالهم كان شبيها لهم من هذا الوجه وكان ما معه من
الإسلام أو ما يظهره منه بمنزلة ما معهم من الإسلام وما يظهرونه منه، بل يوجد في غير التتار المقاتلين
من المظهرين للإسلام من هو أعظم ردة بالأخلاق الجاهلية، وأبعد عن الأخلاق الإسلامية، من التتار
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته " خير الكلام كلام الله وخير الهدي
هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" وإذا كان خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي
محمد، فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه،
(١) المنار: قد ظهرت هذه الحقيقة في حرب البلقان والحرب الكبرى فكانت القسوة فيها فظيعة لبعد أهلها عن الإيمان وهداية المسيح عليه السلام