للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصاحب القول الأول يقول: لا أسلم أنه يلزم العبث، وصاحب القول الثاني يقول: لا أسلم أنه يلزم قدم المفعول، وصاحب القول الثالث يقول: لا أسلم أنه يلزم التسلسل، أو يقول لا أسلم أن التسلسل في الآثار ممتنع. فهذه أربع ممانعات لا بد منها. ويمتنع أن تكون كلها فاسدة بل لا بد من صحة واحد منها وأيها صح اندفع السؤال به وهو المقصود. وذلك لأن القسمة العقلية تحصر من الأقسام فيما ذكر فمن توجه عنده أحد الأقسام قال به، ونحن قد بسطنا الكلام على أصول هذه المسئلة ولوازمها وأقوال الناس فيها في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا الذب عن مجموع المسلمين، فإن هذا السؤال مما أورده على الناس القائلون بقدم العالم، وقد ذكرنا عنه أجوبة متعددة فيما كتبناه في جواب شبهة القائلين بقدم العالم.

ومن جملة أجوبتهم أن يقال: هذا السؤال ليس مختصاً بحدوث العالم بل هو وارد في كل ما يحدث في الوجود من الحوادث، والحدوث مشهود محسوس متفق عليه بين العقلاء. فكل ما يورده على حدوث خلق السموات والأرض يورد عليه نظيره في الحوادث المشهودة.

وقد نبهنا على جنس ما تحتج به كل طائفة من الطوائف في هذا المقام لكن استقصاء الكلام في ذلك لا تسعه هذه الأوراق، ومن فهم ما كتب انفتح له الكلام في هذا الباب وأمكنه أن يحصل تمام الكلام في جنس هذه المسائل، فإن الكلام فيها بالتدريج مقاماً بعد مقام هو الذي يحص به المقصود، وإلا فإذا هجم على القلب الجزم بمقالات لم يحكم أدلتها وطرقها، والجواب عما يعارضها كان إلى دفعها والتكذيب بها أقرب منه إلى التصديق بها. فلهذا يجب أن يكون لخطاب في المسائل المشكلة بطريق ذكر كل قول ومعارضة الآخر له حتى يتبين الحق بطريقه لمن يريد الله هدايته، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والله سبحانه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>