يفعل شيئاً من الأزل إلى حين ابتدأ الفعل ولا كان الفعل ممكناً.
ثم هؤلاء على قولين: منهم من يقول: وكذلك صار متكلماً بعد أن لم يكن يتكلم بشيء، بل ولا كان الكلام ممكناً له. ومنهم من يقول: الكلام أمر يوصف بأنه يقدر عليه، لا أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، بل هو أمر لازم لذاته بدون قدرته ومشيئته. ثم هؤلاء منهم من يقول: هو المعنى دون اللفظ المقروء عبر عنه بكل من التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. ومنهم من يقول بل هو حروف وأصوات لازمة لذاته لم تزل ولا تزال، وكل ألفاظ الكتب التي أنزلها وغير ذلك.
والقول الثاني في معنى الحديث: أنه ليس مراد الرسول هذا، بل أن الحديث يناقض هذا، ولكن مراده إخباره عن خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه الله في ستة أيام ثم استوى على العرش، كما أخبر القرآن العظيم بذلك في غير موضع، فقال تعالى (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء) وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " فأخبر صلى الله عليه وسلم أن تقدير خلق هذا العالم المخلوق في ستة أيام وكان حينئذ عرشه على الماء، كما أخبر بذلك القرآن والحديث المتقدم الذي رواه البخاري في صحيحه عن عمران رضي الله عنه. ومن هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب. قال وما أكتب؟ قال ما هو كائن إلى يوم القيامة " فهذا القلم خلقه لما أمره بالتقدير المكتوب قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، وهو أول ما خلق من هذا العالم، وخلقه بعد العرش كما دلت عليه النصوص، وهو قول جمهور السلف، كما قدر ذكرت أقوال السلف في غير هذا الموضع. والمقصود هنا بيان