للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممتنعاً بلا حدوث، وأنه لا سبب يوجب حصول وقت حدث وقت الحدوث وأن حدوث جنس الوقت ممتنع، فصاروا يظنون إذا جمعوا بين هؤلاء أنه يلزم الجمع بين النقيضين وهو أن يكون الفاعل قبل الفعل وأنه يمتنع أن يصير فاعلاً بعد أن لم يكن فيكون الفعل معه فيكون الفعل مقارناً غير مقارن بأن كان بعد أن لم يكن حادثاً مسبوقاً بالعدم، فامتنع على هذا التقدير أن يكون فعل الفاعل مسبوقاً بالعدم، ووجب على التقدير الأول أن يكون فعل الفاعل مسبوقاً بالعدم، ووجدوا عقولهم تقصر بما يوجب هذا الإثبات وما يوجب هذا النفي، والجمع بين النقيض ممتنع، فأوقعهم ذلك في الحيرة والشك.

ومن أسباب ذلك أنهم لم يعرفوا حقيقة السمع والعقل فلم يعرفوا ما دل عليه الكتاب والسنة ولم يميزوا في المعقولات بين المشتبهات، وذلك أن العقل يفرق بين كون المتكلم متكلماً بشيء بعد شيء دائماً، وكون الفاعل يفعل شيئاً بعد شيء دائماً، وبين آحاد الفعل والكلام، فيقول كل واحد من أفعاله لا بد أن يكون مسبوقاً بالفاعل وأن يكون مسبوقاً بالعدم، ويمتنع كون الفعل المعين مع الفاعل أزلاً وأبداً، وأما كون الفاعل لم يزل يفعل فعلاً بعد فعل فهذا من كمال الفاعل، فإذا كان الفاعل حياً، وقيل أن الحياة مستلزمة الفعل والحركة كما قال ذلك أئمة أهل الحديث كالبخاري والدارمي وغيرهما، وأنه لم يزل متكلماً إذا شاء وبما شاء ونحو ذلك، كما قاله ابن المبارك وأحمد وغيرهما من أئمة أهل الحديث والسنة - كان كونه متكلماً أو فاعلاً من لوازم حياته، وحياته لازمة له، فلم يزل متكلماً فعالاً مع العلم بأن الحي يتكلم يفعل بمشيئته وقدرته، وأن ذلك يوجب وجود كلام بعد كلام وفعل بعد فعل، فالفاعل يتقدم على كل فعل من أفعاله وذلك يوجب أن كل ما سواه محدث مخلوق، ولا نقول أنه كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق (١) والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولكن نقول لم يزل الله عالماً قادراً مالكاً، لا شبه له ولا كيف.


(١) أصل العبارة ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة فقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>