العقول عن معرفتهم ولم يجيئوا بما تعلم العقول بطلانه فهم يخبرون بمحارات العقول، لا بمحالات العقول، وهؤلاء الملاحدة يدعون أن محالات العقول صحيحة، وإن الجمع بين النقيضين صحيح، وأن ما خالف صريح المعقول وصحيح المنقول صحيح، ولا ريب أنهم أصحاب خيال وأوهام يتخيلون في نفوسهم أموراً يتخيلونها ويتوهمونها فيظنونها ثابتة في الخارج وإنما هي من خيالاتهم والخيال الباطل يتصور فيه ما لا حقيقة له ولهذا يقولون أرض الحقيقة هي أرض الخيال كما يقول ذلك ابن عربي وغيره ولهذا يحكون حكاية ذكرها سعيد الفرغاني شارح قصيدة ابن الفارض وكان من شيوخهم وأما قوله:
بيني وبينك إنيّ تزاحمني ... فارفع بحقك إنيي من البين
فإن هذا الكلام يفسر بمعان ثلاثة يقوله الزنديق، ويقوله الصديق فالأول مراده به رفع ثبوت إنيته حتى يقال إن وجوده هو وجود الحق وإنيته هي إنية الحق فلا يقال إنه غير الله ولا سوى. ولهذا قال سلف هؤلاء الملاحدة إن الحلاج نصف رجل وذلك أنه لم ترفع له الإنية بالمعنى فرفعت له صورة، فقيل وهذا القول مع ما فيه من الكفر، والإلحاد فهو متناقض ينقض بعضه بعضاً فإن قوله: بيني وبينك إني تزاحمني، خطاب لغير مواثبات إنية بينه وبين ربه وهذه إثبات أمور ثلاثة وكذلك يقول: فارفع بحقك إنيي من البين، طلب من غيره أن يرفع إنيته وهذا إثبات لأمور ثلاثة وهذا المعنى الباطل هو الفناء الفاسد وهو الفناء عن وجود السوى فإن هذا فيه طلب رفع الإنية وهو طلب الفناء، والفناء ثلاثة أقسام فناء عن وجود السوى وفناء عن شهود السوى وفناء عن عبادة السوى فالأول وهو فناء أهل