بالآخر، وحال من كذب على الله ونسب إليه بالسمع أو العقل ما لا يصح نسبته إليه أو كذب بالحق لما جاءه، فكذب من جاء بحق معلوم من سمع أو عقل، وقال تعالى عن أهل النار (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) فأخبر أنه لو حصل لهم سمع أو عقل ما دخلوا النار، وقال تعالى (أولم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذن يسمعون بها إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وقال تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) أي أن القرآن حق، فأخبر أنه سيري عباده الآيات المشهودة المخلوقة حتى يتبين أن الآيات المتلوة المسموعة حق.
ومما يعرف به منشأ غلط هاتين الطائفتين غلطهم في الحركة والحدوث ومسمى ذلك، فطائفة كأرسطو وأتباعه قالت: لا يعقل أن يكون جنس الحركة والزمان والحوادث حادثاً وأن يكون مبدأ كل حركة وحادث صار فاعلاً لذلك بعد أن لم يكن، وأن يكون الزمان حادثاً بعد أن لم يكن حادثاً، مع أن قبل وبعد لا يكون إلا في الزمان، وهذه القضايا كلها إنما تصدق كلية لا تصدق معينة، ثم ظنوا أن الحركة المعينة وهي حركة الفلك هي القديمة الأزلية وزمانها قديم، فضلوا ضلالاً مبيناً مخالفاً لصحيح المنقول المتواتر عن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم مع مخالفته لصريح المعقول الذي عليه جمهور العقلاء من الأولين والآخرين.
وطائفة ظنوا أنه لا يمكن أن يكون جنس الحركة والحوادث والفعل إلا بعد أن لم يكن شيء من ذلك، أو أنه يجب أن يكون فاعل الجميع لم يزل معطلاً ثم حدثت الحوادث بلا سبب أصلاً وانتقل الفعل من الامتناع إلى الإمكان بلا سبب، وصار قادراً بعد أن لم يكن بلا سبب، وكان الشيء بعد ما لم يكن في غير زمان، وأمثال ذلك مما يخلف صريح العقل، وهم يظنون مع ذلك أن هذا قول أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، وليس هذا القول منقولاً عن موسى ولا عيسى ولا