وإذا قيل: سب الصحابة حق لآدمي: قيل: المستحل لسبهم كالرافضي يعتقد ذلك ديناً، كما يعتقد الكافر سب النبي صلى الله عليه وسلم ديناً. فإذا تاب وصار يحبهم ويثني عليهم ويدعو لهم محا الله سيئاته بالحسنات. ومن ظلم إنساناً فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبل الله توبته. لكن إن عرف المظلوم مكنه من أخذ حقه، وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد: أصحهما أنه لا يعلمه أني اغتبتك. وقد قيل بل يحسن غليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته. كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. فإذا كان الرجل قد سب الصحابة أو غير الصحابة وتاب فإنه يحسن إليهم بالدعاء لهم والثناء عليهم بقدر ما أساء إليهم والحسنات يذهبن السيئات. كما أن الكافر الذي كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أنه كاذب إذا تاب وشهد أن محمداً رسول الله الصادق المصدوق وصار يحبه ويثني عليه ويصلي عليه كانت حسناته ماحية لسيئاته والله تعالى (يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) وقد قال تعالى (حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) .
آخر كلام شيخ الإسلام بن تيمية، قدس الله روحه الزكية، وأسكننا وإياه بمنه الغرف العلية. وصلى الله على محمد وصحبة وسلم.
[يقول محمد رشيد صاحب المنار] هذه الرسالة من أنفس ما كتبه شيخ
الاسلام وأنفعه في التأليف بين أهل القبلة الذين فرق الشيطان بينهم باهواء البدع
وعصبيات المذاهب، على كونه أقوى أنصار السنة برهانا، وأبلغ المفندين للبدع
قلما ولسانا، ومنهاجه في الرد على المبتدعة ببيان الحق بالأدلة، وحكم ما خالفه من شرك
وكفر وبدعة، مع عدم الجزم بتكفير شخص معين له شبهة تأويل، فضلا عن تكفير
فرقة تقيم أركان الدين. فجزاه الله أفضل الجزاء على ارشاده ونصحه للمسلمين