وبهذا الكلام يظهر المعنى في المسئلة وإن ذلك تلف قبل التمكن من القبض المقصود بالعقد، فيكون مضموناً على البائع كتلف المنافع قبل التمكن من قبضها. وذلك لأن التخلية ليست مقصودة لذاتها وإنما مقصودها تمكن المشتري من قبض المبيع، والثمر على الشجر ليس بمحرز ولا مقبوض، ولهذا لا قطع فيه، ولا المقصود بالعقد كونه على الشجر. وإنما المقصود حصاده وجداده، ولهذا وجب على البائع ما به يتمكن من جداده وسقيه، والأجزاء الحادثة بعد البيع داخلة فيه وإن كانت معدومة كما تدخل المنافع في الإجارة وإن كانت معدومة، فكيف يكون المعدوم مقبوضاً قبضاً مستقراً موجباً لانتقال الضمان؟
فصل
وعلى هذا الأصل تتفرع المسائل، فالجائحة هي الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد، مثل الريح والبرد والحر والمطر والجليد والصاعقة ونحو ذلك، كما لو تلف بها غير هذا المبيع. فإن أتلفها آدمي يمكن تضمينه، أو غصبها غاصب، فقال أصحابنا كالقاضي وغيره: هي بمنزل إتلاف المبيع قبل التمكن من قبضه، يخير المشتري بين الإمضاء والفسخ كما تقدم، وإن أتلفها من الآدميين من لا يمكن ضمانه كالجيوش التي تنهبها واللصوص الذين يخربونها، فخرجوا فيه وجهين (أحدهما) ليست جائحة لأنها من فعل آدمي (والثاني) وهو قياس أصول المذهب أنها جائحة وهو مذهب مالك كما قلنا مثل ذلك في منافع الإجارة، لأن المأخذ إنما هو إمكان الضمان، ولهذا لو كان المتلف جيوش الكفار أو أهل الحرب كان ذلك كالآفة السماوية، والجيوش واللصوص وإن فعلوا ذلك ظلماً ولم يكن تضمينهم فهم بمنزلة البرد في المعنى، ولو كانت الجائحة قد عيبته ولم تتلفه فهو كالعيب الحادث قبل التمكن من القبض، وهو كالعيب القديم يملك به الفسخ أو الأرض حيث يقول به، وإذا كان ذلك بمنزلة تلف المبيع قبل التمكن من قبضه فلا فرق بين قليل الجائحة