وكما كان القرن السادس عشر هو مصدر الإصلاح الديني في الغرب، كانت نهايته بداية اتصال الغرب المسيحي بالشرق الإسلامي اتصالا اقتصاديا, سواء في كشف موارد الثروة فيه، أو استغلالها ونقلها إلى الغرب في صورة تبادل تجاري، أو في أية صورة أخرى.
واستتبع الاتصال الاقتصادي -بعد تقدم صنع السفينة في الغرب- اتصالا آخر؛ هو نفوذ الغرب المسيحي على التوجيه السياسي للشرق الإسلامي. وازداد هذا النفوذ بالتدريج، حتى وصل منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين منتهى ما يصل إليه نفوذ قوي على ضعيف.
ولم يقف استخدام هذا النفوذ السياسي القوي عند حد الاستغلال الاقتصادي لأجل رفع مستوى الغرب وتقدم صناعته من جانب وإضعاف مستوى الشرق والحرص على تخلفه من جانب آخر، بل استخدم أيضا للتنفيس عن الهزيمة الصليبية في الحروب الماضية، وعن الحقد الصليبي على بقاء بيت المقدس في ظل السيادة الإسلامية!!
- فكيف يستمر للغرب نفوذه السياسي على الشرق الإسلامي؟
- وكيف يبقى تخلف المسلمين؟
- وكيف تنفس النفس الصليبية عن حقدها؟
هذه الأسئلة الثلاثة ... يرتبط بعضها ببعض في تصور الغرب المسيحي المستعمر، ويحرص على أن تبقى متصلة بعضها ببعض في مباشرة سلطته هنا في الشرق، على أن وجود أي واحد من هذه الأمور الثلاثة وتمتعه بالبقاء كفيل بتمكين الوجود للأمرين الآخرين.
لهذا ... ما أن باشر النفوذ الغربي سلطته في رقعة الشرق الإسلامي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر, حتى ابتدأ يعمل على تخلف المسلمين، وعلى تنفيس الحقد الصليبي.
وليس له هنا طريق آخر لتحقيق هذه الغاية، سوى تناول "مادة التوجيه" المحلية، وجعلها غير صالحة.. ولم يكن هناك في توجيه