نعم، الإسلام من حيث هو مبادئ، لا يتوقف اعتباره على مكان معين، ولا على جيل من البشر..
وكما ذكر "إقبال": الإسلام بما اشتمل عليه من مبدأ "الحركة" يعيش مع الإنسان المتحرك، وفي العالم المتغير المتطور.
فهو لا يؤرم بالصليبية ولا بالماركسية، إذ طالما كانت له طبيعة الموجود الخالد، ولا يضار بالهجوم عليه من هنا أو هناك؛ لأنه عندئذ لا يقبل الفناء ...
فخلود الإسلام في رسالته، ورسالته "التوازن": التوازن في قيادة الفرد لنفسه، والتوازن في علاقة أفراد الأسرة الواحدة بعضهم ببعض، والتوازن في علاقة الأفراد جميعا، ما بين جار قريب وبعيد، وما بين حكام ومحكومين.
ولكن الذي يجوز أن يؤرم -ولا أدري إذا كان يمكن أن يصرع في يسر أيضا- هو المسلم.. والمسلم هو إذن، موضوع الهجوم في حملات الصليبيين والماركسيين، والآثار السلبية لهذا الهجوم تنال منه، إن قدر لها أن تصيب، أكثر مما تنال من الإسلام.
والسؤال الذي يجب أن يلقى الآن، هو: إذا كانت حملات الغرب الاستعماري -سواء من الجانب الصليبي أو الجانب الماركسي- تجد "فراغا" عند المسلمين حال دون ملئه حتى الآن ركود الفكر الإسلامي، وعدم قيامه بالدور الإيجابي في حياتهم المعاصرة، فما هي النسبة التي يملأها "الإصلاح الديني" الحديث من هذا الفراغ؟؟.. إن مستقبل الإسلام في الجماعة الإسلامية يتحدد بناء على جواب هذا السؤال، وهذا الجواب يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع "الثقافة" الذي يتثقف بها المسلم في الشرق الإسلامي.
والثقافة في هذا الشرق الإسلامي, لم تساير الحركات التحريرية التي قامت فيه أول الأمر لمنازلة المستعمر، ولا ما صاحبها من وعي إسلامي عام. وتخلت الثقافة عن هذه الحركات، ولم تعن بتوضيح الوعي الإسلامي الذي صاحبها، ولذا بقي هذا الوعي"شعارا" و"نسبة" فقط؛ يحمله المسلم كعنوان له، ولا يدرك من إسلامه إلا أنه ينتسب إلى الجماعة الإسلامية فحسب.
ونتج عن هذا التخلف: تلك "الانفصالية" التي أرادها المستعمر الغربي منذ أن وضع قدمه في بلاد المسلمين، وهي الانفصالية في توجيه المسلم، وبعبارة أخرى هي"دفع" الإسلام عن أن يكون ضمن موضوع ثقافة المسلم المعاصر، ونشأ عن هذه الانفصالية، ذلك "الفراغ" عند المثقفين من المسلمين، ولم يستطع نمو الحركات التحريرية التي أخذت بعد جمال الدين الأفغاني الطابع السياسي القومي، أن ينال من هذه الانفصالية، بل بالعكس كلما تقدمت هذه الحركات خطوة نحو "الاستقلال السياسي" كلما اتسع البعد في هذه الانفصالية؛ لأن الاستعمار الغربي الصليبي كان يضع شروطا للموافقة على الخطوات الاستقلالية في البلاد الإسلامية، من شأنها أن تزيد في عمق هذه الانفصالية، كشرط "حماية الأقليات" في معاهدة