١٩٢٥ بمصر. وشرط تعهد الحكومة المصرية باتباع "روح" التشريع الغربي في معاهدة "مونترو" سنة ١٩٣٨، وأمثال هذين الشرطين فيما عقد من اتفاقيات بين المستعمرين الغربيين، وبين دعاة "الاستقلال" في البلاد الإسلامية الأخرى، وهدف هذين الشرطين واضح، وهو عدم احتضان الإسلام والأخذ بتعاليمه في حياة الجماعة الإسلامية، سواء في توجيه المسلمين عن طريق الثقافة المدرسية أو الجامعية أو ممارسة الفصل والقضاء في الخلافات التي تقع بينهم.
وتحولت بذلك الحركات التحريرية إلى حركات "عزل" الإسلام عن الحياة العلمية العامة للجماعات المسلمة، بعد ما أصبحت حركات "استقلال سياسية" ثم نفذ الفكر الغربي الاستشراقي الإلحادي المادي منه، إلى "البعد" الذي أوجدته الانفصالية السابقة، وكلما بعد الطرف الإسلامي في هذه الانفصالية، كلما نفذ الفكر الغربي السابق، وكلما قرب إلى دائرة "الفراغ" المتخلف؛ بل كلما اقتحمه وملأ منه جزءا بعد جزء.
وفي وقت بلغت فيه الحركة الاستقلالية السياسية حدا فاصلا في تاريخ الاحتلال الغربي لمصر -وهو وقت معاهدة سنة ١٩٣٦، بما لها من ظروفها إذ ذاك- ظن أحد الكتاب المعاصرين أن الوقت قد آن لإعلان التخلص نهائيا من الإسلام واللغة العربية، فنادى في عام ١٩٣٨ بتقليد الغربيين في ثقافتهم وفي تفكيرهم وفي تعلم لغتهم قديمها وحديثها حرفا بحرف، بما في ذلك من خير وشر، وممدوح ومذموم!! أو بعبارة أخرى طلب هذا الكاتب من الحكومة وقتئذ، إعلان هذه "الانفصالية" بصفة قاطعة حتى لا يكون هناك كفاح بين القديم والجديد، وحتى يشعر المصريون بالاطمئنان إذا ما مضوا ثقافيا وروحيا إلى مجموعة شعوب البحر الأبيض المتوسط, وهي الشعوب الإيطالية، والفرنسية، واليونانية، ولاقى هذا النداء ترحيبا في بعض الطبقات، كما شجع كثيرين من الشبان في كتاباتهم ضد "القديم" بناء عن تقليد وتبعية فحسب، ولحق معنى "القديم" عندئذ معنى آخر هو التخلف أو البدائية، كما لحق معنى "التجديد" معنى التقدم والحضارة!!
واستمر هذا الوضع، على عهد دعاة الاستقلال السياسي، طوال النصف الأول من قرننا الحاضر، إلى أن جاء التحول الأخير في السياسة التحريرية سنة ١٩٥٢، وتبعته محاولة "تصفية" ماضي الاستعمار في الثقافة والتوجيه، وفي مقدمة بقايا هذا الماضي: تلك "الانفصالية" التي أشرنا إليها، في موضوع الثقافة المدرسية والجامعية، ولكن هذه التصفية -فيما أعتقد- تحتاج إلى وقت، حتى يضعف أثرها السلبي في التوجيه، وتحتاج