وبجانب انفصال موضوع الثقافة، وعزله عزلا تاما عن الإسلام، ذلك الانفصال الذي هيأ للفكر الغربي الاستشراقي والمادي فرصة قبول المثقفين له، دون أن يجدوا في ثقافتهم التي يحملونها وفي أنفسهم ما يناقش هذا الفكر, حتى يكون قبولهم إياها نتيجة اقتناع وتأمل, وجد فراغ آخر في الحياة التوجيهية العامة، وهي حياة الجماهير من العمال والفلاحين. وهذا الفراغ سببه عزلة الأزهر عن الحياة الجارية، وهي عزلة رسمت له في ظل الاستعمار، أو عاون على بقائها الاستعمار، وأصبحت حياة العمال والفلاحين خالية من توجيه صالح يعالج لهم مشاكلهم اليومية، والمشاكل الأخرى التي تأتي بها الحضارة الحديثة، وخضعوا للأنانية في حل هذه المشاكل وللتيارات السطحية التي تحملها الدعاية المغرضة لمذهب من المذاهب الإنسانية المعاصرة, وتقلص الإسلام من جديد في حياة العامة كما تقلص من قبل في ثقافة المثقفين، وسارت حياة الطرفين تحت تأثير "الصدفة" وتحت ما يجد من نزعات فكرية توجيهية، من وقت لآخر.