الصورة الأولى: أن القرآن "انطباع" في نفس محمد -صلى الله عليه سلم، نشأ عن تأثره ببيئته التي عاش فيها.. بمكانها وزمانها.. ومظاهر حياتها المادية والروحية والاجتماعية.
- والصورة الثانية: أنه "تعبير" عن الحياة التي عاش فيها محمد -صلى الله عليه وسلم- بما فيها المكان، والزمان، وجوانب الحياة الاقتصادية، والسياسية، والدينية، والاجتماعية.
وإحدى الصورتين ملازمة للأخرى ... فإذا كان القرآن انطباعا منبثقا من البيئة فهو يعبر عن ذات هذه البيئة، وبالعكس إذا كان تعبيرا عن البيئة فقد انطبع أولا بلا شك في نفس قائله قبل أن يعبر به وقبل أن يقوله!! وكلتا الصورتين إذن تفصح عن أن القرآن عمل خاص بمحمد -صلى الله عليه وسلم، تأثر فيه كما يتأثر الإنسان العادي، وعبر به عن المعاني التي كانت في نفسه ومن بيئته كما يعبر الإنسان عن أية معان تجول بنفسه قد تأثر بها من بيئته، وانطبعت في خاطره من ظروف الحياة التي تحيط به!!
ويتوقف اختيار إحدى هاتين الصورتين على الأخرى لدى الكاتب الذي يرى "بشرية القرآن"، على أحوال البيئة التي يعلن فيها الكاتب الرأي، فإن كانت بيئة أجنبية غير مسلمة أمكن مواجهتها بالصورة الأولى, وهي أن القرآن
انطباع نفسي! أما إذا كانت بيئة إسلامية فيقتضي الأمر أن يتبع فيها أسلوب اللف والمداورة، والصورة الثانية هي الأليق بهذا الأسلوب، وهي أن القرآن يعبر عن الحياة الجاهلية - أي: حياة ما قبل الإسلام- أصدق تعبير.