ظهرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب في أكتوبر سنة ١٩٥٧م، وما كادت تنتهي سنة على ظهوره حتى نفدت هذه الطبعة، رغم أن الإعلان عنه من المؤسسة التي تعهدت بتوزيعه كان محدودًا، ورغم أن الثمن الذي قدر للورق الجيد منه كان فوق مستوى الثمن للكتاب العربي في جملته.
ولم أحاول أن أتصل بناقد من نقاد الكتب، يعرض له بالمديح والثناء عليه في صحيفة يومية أو أسبوعية، ولم أقم بإهداء نسخ منه إلا لعدد قليل. لا شحا وبخلا به، ولكن خشية من أن يساء فهمه وفهم مؤلفه لو توسعت في إهدائه واقتحمت به بريد الكثيرين من الكتاب والمفكرين: خشيت أن تلصق به رغبة الترويج، وتلصق بمؤلفه رغبة الدفع لما فيه من آراء، وخاصة أنا أعلم أن ما فيه من آراء -تتصل بقيم المستشرقين والاستشراق، وبقيم الماركسية والوضعية المادية -سيغضب الكثيرين ممن يوالون هذا الاتجاه أو ذاك، ويعيشون في حايتنا اليوم على ترديد ما لواحد منهما أو لآخر ... وعددهم بين الكتاب والمؤلفين المعاصرين ليس بقليل.
تركت الكتاب إذن يعيش بنفسه وبقيمته، بين الكتب التي تخرجها المطابع العربية في القاهرة، وبيروت، وبغداد، ودمشق، والرباط، ومن فضل الله عليه وعلى مؤلفه، أن لقي من التقدير ما يسر له من نقاد طبعته الأولى في زمن قصير، رغم كل الظروف التي أشرت إليها، والتي من شأنها أن تمهله أو تبطئ به في السير نحو الرواج والنفاد.
وقد توج هذا التقدير للكتاب، ما تفضل به السيد الوزير "كمال الدين حسين" وزير التربية والتعليم المركزي مشكورًا، من نصح الشباب بقراءته، وذلك في حديث لسيادته في صحيفة "الأهرام" وفي حديث آخر في إذاعة الجمهورية العربية المتحدة بالقاهرة.
وما أن نفدت الطبعة الأولى، حتى دفعت بالكتاب للطبعة الثانية التي أقدمها اليوم، والتي استغرقت من الوقت قرابة عام، نظرًا لكثرة الأعباء التي أضيفت إلي في الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر، بجانب التدريس في كلية اللغة العربية.