وما في هذه الطبعة من موضوعات وآراء ومنهج للبحث، لا يختلف عما جاء في الطبعة الأولى ... لا تخلصا من أعباء امتحان ما في الكتاب من آراء -على الأقل- مرة ثانية في ضوء ما حدث من كتب للمعرفة علها صدرت، وتصل بموضوعات الكتاب، أو في ضوء مراجعة أخرى لبعض المصادر التي اعتمدت عليها من قبل؛ ولكن لأن نتيجة الاختبار الدقيق من جديد لما في الكتاب كله، قد أكدت نفس الآراء، كما أكدت سلامة منهج البحث فيه.
وكل ما تتميز به هذه الطبعة الثانية: هو البسط في عرض بعض الفكر مرة، والعدول عن بعض الألفاظ والتراكيب التي استعملت سابقا إلى غيرها مما هي أكثر دقة في تأدية المعنى المطلوب، أو أكثر وضوحا في التمييز عنه مرة أخرى.
والأمل الذي عبرت عنه عند تقديم الطبعة الأولى من هذا الكتاب -وهو إيقاظ الوعي بتفكير توجيهي محايد، وبـ"أيديولوجية" لا هي بالشرقية الإلحادية ولا هي بالغربية الصليبية، تقوم بين المسلمين على أساس من الإسلام الأصيل نفسه -لم يزل هو الأمل نفسه، يتجدد مرة أخرى؛ لأن فكرة "الحياد الإيجابي" في سياسة الشعوب الإفريقية والأسيوية بدت الآن أوضح عن ذي قبل, يوم أن صدر هذا الكتاب لأول مرة.
وكلما مال الأمر في سياسة هذه الشعوب إلى "الإيمان" بالحياد الإيجابي، كلما نشط الوعي بينها في دائرة التوجيه إلى الرجوع إلى القيم الأصيلة في تراثها الثقافي والروحي، والاستناد إليها في النظرة إلى الحياة، وفي السلوك الإنساني، وفي الترابط بين الأفراد.
ثم إن تطور وضع هذه الشعوب وتحررها تباعا من الاستعمار لا يقوي فيها دافع الحرص على استقلالها فحسب، وإنما ينمي مع ذلك فيها "ذاتيتها" و"شخصيتها" وتنمية الذات أو الشخصية يستتبع حتما التفتيش عن مصادر الأصالة في تكوينها وقيامها، أو هو لا يقوم نفسه على أساس من "اعتبار" هذه الأصالة، و"إعادة" تقديرها من جديد.
والقيم الإسلامية الخالدة، هي الأمر الأصيل الذي ارتبطت به شخصية الشعوب الإسلامية في وجودها واستمرارها.