- إن قبول بعض الكتاب المسلمين -هنا في الشرق الإسلامي- تفكير القرن التاسع عشر الاستشراقي والمادي الإلحادي، وقبولهم أيضا هجوم بعض كتاب الغرب في القرن السابق على الكنيسة الكاثوليكية هناك، ومحاولتهم تطبيق ذاك الهجوم هنا على الإسلام والعلماء، وتأثر كثيرين بهذه المحاولة، ليس آية فحسب على وجود "الانفصالية" في
التعليم، التي عاون عليها الاستعمار الغربي والتي لم تزل رواسبها باقية، وربما تبقى قوية فترة أخرى من الزمن, بل آية أيضا من جانب آخر على أن الأزهر لم يؤد رسالته، أو لم يتمكن فيما مضى من أداء رسالته كما يجب، وإلا لقضى على هذه الانفصالية منذ زمن طويل، أو على الأقل لاستطاع أن ينفذ بتعاليم الإسلم إلى نفوس المثقفين المدنيين!! وهناك إذن لا شك "ضعف" في الأزهر.
- وآية أخرى على هذا الضعف، بقاؤه في عزلة عن مواجهة المذاهب الاقتصادية الاشتراكية، ببيان "توازن" الإسلام من الجانب الاقتصادي في حياة الجماعة, وكذلك بقاؤه في عزلة أيضا عن أن يبدي الرأي في حل المشاكل الاجتماعية التي تعانيها اليوم الشعوب الإسلامية من وجهة نظر الإسلام، ولعلنا نذكر كيف أن "إقبال" تطلع فيما سبق إلى جود بحوث فقهية اقتصادية اجتماية إسلامية، يتغلب بها على الأزمات الحالية في الجماعة الإسلامية, ويقابل بها نظم الغرب الاشتراكية.
- وآية ثالثة على هذا الضعف: أن تفكير الشيخ محمد عبده الإصلاحي قُبل وإنما خارج الأزهر، بينما عورض معارضة قوية داخل الأزهر، ولم تزل هذه المعارضة تظهر من وقت لآخر في صورة فتاوى رسمية حتى الآن.. فالفتوى بتمجيد تعدد الزوجات، وبتحريم ترجمة القرآن، وبصلاحية الإسلام للشعوب البدائية فحسب، تمثل معارضة واضحة لتفكير الشيخ عبده الإصلاحي في داخل الأزهر، كما تمثل في الوقت نفسه جمودا في فهم الإسلام.
هناك ضعف لا شك فيه ...
وسببه أن الأزهر دار بتفكيره في صورة معينة، انقطع بها عن صورة الحياة التي تمر عليه، ولكنها لم تستطع أن تنفذ إلى داخله فتلتقي بالصورة التي يحتفظ بها، وتتفاعل معها، وما سمي بإصلاح للأزهر في فترات متكررة يشبه مرور صورة الحياة القائمة عليه، دون أن تنفذ إلى داخله فتتفاعل مع ما له من صورة أصيلة، وإصلاح الأزهر لذلك كان "إضافات" ملحقة، وظلت إضافات تابعة، لم تتكون منها ومما كان يعنى به الأزهر من قبل ... "ذاتية" واحدة.
طلب "إقبال" في "تجديد الفكر الديني في الإسلام" تأكيد صلة المسلم بالعالم المادي الواقعي، وتنحية نظرة التصوف العجمي من حياة