للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلم، وهي النظرة إلى هذا العالم على أنه "شر" يجب الهرب منه، وعلى هذا النحو ظلت "الإضافات" التي أضيفت إلى الفكر الأزهري التقليدي، بمثابة هذا العالم الواقعي في نظر التصوف العجمي.

هذا "الانقطاع" عن الحياة "كان واضحا في حياة الأزهر في القرن التاسع عشر" وكان هو نفسه مركز إصلاح الشيخ عبده إذ ذاك، فيما سماه: إصلاح الأزهر، وإصلاح المحاكم الشرعية، وإصلاح الوعظ والتدريس، وإصلاح اللغة العربية، وأحس المستعمر الغربي بهذا الانقطاع فساعد على تقويته، عندما تولى الإشراف على التعليم، وحال دون مباشرة المتخرجين في الأزهر التعليم الرسمي في أية مرحلة من مراحلة، إلا إذا اعدوا إعداد خاصا رسمه هو، بدعوى عدم ملاءمتهم للعصر وروحه!!

لم يعن الأزهر عناية جدية بتعليم اللغات الأوروبية١، ولا بمنهج البحث الأوروبي في دراساته ... ومن ثم كانت استطاعة المتخرجين فيه لمواجهة الصليبية الاستعمارية، والماركسية الإلحادية، محدودة للغاية كما ظل عرضهم للفكر الإسلامي في الدائرة التي هي أقرب لدائرة التفكير في العصور الوسطى، منها إلى دائرة التفكير المعاصر، وقد أصيب الأزهر بنكسة في السنوات الأخيرة٢ وعاد إلى الجمود وحارب اتصال علمائه بالفكر الغربي المعاصر، ووقوفهم على منهاج البحث في الجامعات الأوروبية، كما نزل بمستوى رسالة الأزهر إلى تعلم اللغة العربية وتعليمها وحدها، مهملا شأن الدراسات الإسلامية، أو واضعا إياها في منزلة ثانوية، وبذلك ضعف الأمل في استعانة الفكر الإسلامي الإصلاحي على تقوية شأن نفسه بمؤسسة إسلامية عالية مثل الأزهر.

الأزهر في رأيي، هو قمة المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، التي كانت تستطيع مواجهة الصليبية الاستعمارية والماركسية الإلحادية، وكانت تستطيع أيضا أن تقدم للحياة الإسلامية في مصر، ووراء مصر،


١ أدخل الأستاذ الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت بعد توليه المشيخة في أكتوبر سنة ١٩٥٨ تعلم اللغة الإنجليزية إجباريا في المعاهد الثانوية، وأنشأ معهد "الإعداد والتوجيه" كمعهد عال تدرس فيه ست لغات: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والأندولسية، والأردية، والسواحلية.
٢ من سنة ١٩٥٤ إلى ١٩٥٨.

<<  <   >  >>