كما تتلمذ ابن عبد الوهاب على "كتابات" ابن تيمية، تتلمذ محمد عبده على "شخص" جمال الدين الأفغاني.... ولكن مع فارق في التلمذة، وفارق آخر في نتيجة هذه التلمذة:
- "محمد عبد الوهاب": حفظ لابن تيمية وأكد حفظه، ولكن لم ينمه، ولم يمتحنه ... أبقى عليه كما هو، وإن ركز عنايته في بعض جوانبه دون البعض لآخر، على نحو ما يعرف له من تأكيده الجانب السلبي في تعاليم ابن تيمية دون الجانب الإيجابي منه، كاستخدام الاجتهاد مثلا، واستطاع أن يوفر على العناية بهذه التعاليم، سلطة وحكومة تهتم به وبصيانتها -على الأقل من الوجهة الرسمية.
- أما "محمد عبده": فقد تلقى على جمال الدين الأفغاني، واستمع إليه، وشاركه الرأي، وعبر عما ينسب إليه من فكر، ومع ذلك لم يبق في حدود ما تركه جمال الدين، بل امتحنه ونماه.. وخلق منه نظاما علميا وعقليا متعدد الجوانب وإن كان موحد المصدر وموحد الغاية.
اختبر محمد عبده ما خلفه جمال الدين، أو ما تركه في نفسه كتلميذ له.. فلم يرقه سبيل إثارة الحماس الشعبي؛ لأن هذا السبيل مؤقت في تأثيره، كما أنه غير مأمون العاقبة؟ ولذا حاد عنه رويدا رويدًا، بعد أن شارك فيه أستاذه، وبعد أن استمر فيه أيضا بعد أستاذه مشاركا عرابي ورجاله في ثورتهم المشهورة التي انتهت بالاحتلال البريطاني سنة ١٨٨٢م١.
وبعد أن اختبر "محمد عبده" ما عرف لجمال الدين الأفغاني من آراء ومنهج رسم لنفسه طريقا آخر يؤدي في نظره إلى ذات الغاية، مستعينا في الوصول إلى هذه الغاية بذات المبادئ التي عنى بها جمال الدين.. رسم
١ هذا الاحتلال كان متوقعا من وقت لآخر بدون هذه الثورة، واقتران الاحتلال بهذه الثورة أمام الرأي العام العالمي، يشبه إلى حد كبير اقتران تمكين إسرائيل في الحرب اليهودية في ١٥ مايو سنة ١٩٤٨ من معظم الأراضي الفلسطينية, بمشروع الهدنة الأولى في هذه الحرب.. إن كلا من الأمرين كان مناورة استعمارية، تلمست لها السياسة الغربية شبه مبرر لتنفيذها.