للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إلا إنها حالما تتجه إلى "الإسلام" يختل التوازن، ويأخذ الميل العاطفي في التسرب، حتى إن أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العامي في كتاباتهم عن الإسلام.. ويظهر في جميع بحوثهم على الأكثر، كما لو أن "الإسلام" لا يمكن أن يعالج على أنه "موضوع" بحث في البحث العلمي، بل إنه "متهم" يقف أمام قضاته؟! إن بعض المستشرقين يمثلون دور "المدعي العام" الذي يحاول إثبات الجريمة، وبعضهم يقوم مقام "المحامي" في الدفاع!! فهو مع اقتناعه شخصيا بإجرام موكله، لا يستطيع أكثر من أن يطلب له -مع شيء من الفتور- اعتبار "الأسباب المخففة"!!.

"وعلى الجملة، فإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين تذكرنا بوقائع "دواوين التفتيش"، تلك الدواوين التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية لخصومها في العصور الوسطى! أي: إن تلك الطريقة لم يتفق لها أبدا أن نظرت في القرائن التاريخية بتجرد وغير تحزب، ولكنها كانت في كل دعوى تبدأ باستنتاج متفق عليه من قبل، قد أملاه عليها تعصبها لرأيها؟ ويختار المستشرقون "شهودهم" حسب الاستنتاج الذي يقصدون أن يصلوا إليه مبدئيا، وإذا تعذر عليهم الاختيار العرفي للشهود عمدوا إلى اقتطاع أقسام من الحقيقة التي شهد بها الشهود الحاضرون، ثم فصلوها عن المتن، أو تأولوا الشهادات بروح غير علمي، من سوء القصد، من غير أن ينسبوا قيمة ما إلى عرض القضية من وجهة نظر الجانب الآخر ... أي: من قبل المسلمين أنفسهم"١.

وإذن فحركة "التجديد" في الفكر الإسلامي بعد بداية القرن الحاضر، تسير إما في طريق "الاستشراق" ودراسة المستشرقين القائمة على تشويه الإسلام، وعرض تعاليمه عرضا مغرضا.. وإما في طريق الفكر المادي المنكر للروحية أو المستخف بها.

- ولو استعرضنا من جديد بعض أسس هذه الدراسات الاستشراقية كما تصورها "دائرة المعارف الإسلامية" مثلا، وترددها مؤلفات زعماء الاستشراق من قساوسة المسيحيين وعلماء اليهود لأمكننا أن نجملها فيما يلي:


١ المصدر السابق: ص٥١, ٥٢.

<<  <   >  >>