والإله الذي ليس له وحي ولا خلق: يتفق مع تحكيم العقل وحده، وطلب سيادته على أحداث الحياة واتجاهاتها.
وكانت في عصر "التنوير" إذن خصومة فكرية بين "الدين" و"العقل" واتجه التفكير فيه إلى إخضاع الدين للعقل.. لذلك عد زمن هذا العصر فترة سيادة "العقل"، كما عد العصر السابق عليه فترة سيادة "الدين".
ولكن مع ذلك، كان للدين في هذه الفترة أنصار من أرباب الفكر، كما كان للعقل وقت سيادة الدين في العصر السابق أنصار من رجال الدين "وهم المصلحون" ورجال الفلسفة كذلك:
بلانش:
فنرى -مثلا- Ballanche يعقد سيادة "العقل" كمصدر وحيد للمعرفة ويذكر: أن فلسفة "التنوير" أخطأت عندما قصدت إلى أن العقل -وحده ومن نفسه- يمكن أن يوجد "الحقيقة" وينظم الجماعة ... وأخطأت كذلك عندما أرادت أن تقيم صورة العلاقة المشتركة بين الأفراد على ما بينهم من ميل ومحبة إنسانية، دون ما يربطهم من قبل من رباط اللغة والدين والتقاليد، وما أشبه ذلك من الروابط الأخرى السائدة.
ويستطرد بلانش فيذكر أنه في الواقع كل حياة عقلية للإنسان هي حصيلة للتقاليد الاجتماعية، واللغة بالذات.. فاللغة هي وحي الله للإنسان، و"الكلمة الإلهية" هي مصدر "الحقيقة" والمعرفة الإنسانية هي دائما قسم من هذه الحقيقة الإلهية، وتنمو من الضمير الذي بداخلها، والذي يجعل للعام اعتبارا خاصا بأنفسنا، و"الكنيسة" هي حاملة "الكلمة الإلهية" فتعاليمها هي "العقل العام" الذي هو منحة من الله، والتي تشبه شجرة نمت على مر الزمن ونضجت بها كل المعارف الإنسانية الخالصة من الزيف، ولهذا يمكن أن يعتبر "الوحي" وحده أساسا "للجماعة" ونظامها، كما يعتبر أساسا "للمعرفة" و"الحقيقة" معا.
ويعلق "فندلبند" على نقد بلانش لفلسفة عصر "التنوير" بقوله: و"العنصر الفلسفي لهذه النظرية الكنسية جاء من الاعتراف بـ"العقل النوعي" الذي تحقق ووجد في التطور التاريخي للجماعة، كسبب للحياة العقلية عند الأفراد.