ليس هناك من جهود أكاديمية في عالم الدراسات الإنسانية تكاد تكون أسوأ حظا في مواردها وسوابقها من الدراسات الإسلامية والعربية في الغرب. وليس من غرض هذا المقال أن يعطي تفصيلات في هذا التاريخ المؤسف، ويكفي لذلك في هذا المقال أن نلقي نظرة مجملة على هذا التاريخ في معالمه السريعة لتكون هذه النظرة مقدمة بين يدي دراستنا في موضوعها المحدد١.
ومنذ البداية تبدو جذور العداوة اليهودية المسيحية للإسلام في آيات القرآن فما كان أسرع أهل الكتاب لتكذيب محمد بل لتحديه في مهمته كحامل للرسالة الإلهية ومن هنا بدأت سلسلة المجادلات التي استمرت وإن تباينت الرايات المرفوعة في معارك الجدل حتى أيامنا، وقد امتد نطاق هذا العداء نتيجة للأعمال السياسية والعسكرية التي قامت بها الدولة الإسلامية في عهد الرسول وخلفائه، فتعدى حدود الجزيرة العربية ليضع الإمبراطورية البيزنطية ومن بعدها المسيحية الغربية.
ولم يكن الإسلام المنتصر يتجاهل المجادلين البيزنطيين، أو يهمل الرد على محاولاتهم التخريبية المسمومة، ولكن ما لبث أن فاق البيزنطيين في تنمية العداء والتحامل خلفاؤهم في أوروبا الوسيطة, وذلك عن طريق بث المعلومات المشوهة أو الزائفة وهكذا كان الإسلام بالنسبة لهم من "عمل الشيطان". وكان القرآن نسيجا من السخافات "وكان محمد" دعيا "كذابا" و"محتالا" و"عدوا للمسيح"!! أما المسلمون فهم ليسوا سوى نوع من المتوحشين لا يكاد يحظى بميزة إنسانية!!
ومن العسير أن نحدد إلى أي مدى أثرت هذه الدعاية في أوروبا الغربية حتى استجابت
لنداء الحروب الصليبية، ولكن من أبرز مظاهر الفشل في
١ إن دراسات الاستشراق في المجالات الإسلامية والعربية هي بالطبع بناء دولي اشترك فيه المستشرقون الغربيون من إنجليز وفرنسيين وألمان وإيطاليين وغيرهم. والدراسة التي يتناولها المقال يمكن أن تطبق على معظم هؤلاء، وإنما حددت بالمستشرقين الناطقين بالإنجليزية لمراعاة مقتضيات البحث، وحتى في هذا النطاق المحدد تناولت الدراسة فحسب الباحثين الذين لهم آراء منشورة تتعلق بموضوع الدراسة.