للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخيرا التقى الفريقان ...

وإلى أن تم هذا اللقاء كان قد حدث تطوران عظيمان من تطورات التاريخ أولهما: أنه قد نمت أوروبا الغربية قوى معينة بلغت ذروتها في النهضة الأوروبية Renaissance في القرن الخامس عشر الميلادي، ودعت إلى ترجمة العلم الإغريقي نقلا عن علماء العرب في الطب والرياضيات والفلسفة ... إلخ، على أن هذا الاتصال العلمي على اتصاله وعمقه لم يبد أنه أثر في الصورة العقيدية أو الإلهية أو حتى الصورة التاريخية للإسلام في النظرة المسيحية.

وتمثل التطور الثاني فيما أصاب وحدة العالم المسيحي تحت لواء الكنيسة من تمزق نتيجة للقوى الجديدة: سياسية واقتصادية ودينية، وقد تمخض عنها الإصلاح الديني وظهور الدول القومية التي اشتعلت بينها غالبا نيران المنافسة وشغفت بالمشروعات الطموحة للتوسع فيما وراء البحار. وكانت الدول القومية الحديثة في رقعتها الصغيرة نسبيا قد اتجهت إلى تحقيق مصالحها ولو على حساب مصالح دول مسيحية أخرى أو العالم المسيحي في مجموعه، وهكذا كانت البداية العملية لصلات دبلوماسية وتجارية مع البلدان الإسلامية على مدى أقرب مما تحقق من قبل.

وعلى الرغم من أن الجدل الديني كان لا يزال في مرارته ونشاطه كعهده من قبل، وعلى الرغم من أن الهدف التبشيري كان يضاعف من سيطرته على مخيلة سلطات الكنيسة، فقد بدأت بواعث مدنية جديدة تأخذ حظها من الاعتبار على قدم المساواة إن لم تكن أكثر ولربما كان أوضح مثال لهذا التعبير بالنسبة لهذه الدراسة هو تقرير المراجع الأكاديمية المسئولة في جامعة كمبردج بالنسبة لإنشاء كرسي اللغة العربية فيها، فهذه المراجع تقرر في خطاب مؤرخ في ٩ مايو ١٩٣٦ إلى مؤسس هذا الكرسي: "ونحن ندرك أننا لا نهدف من هذا العمل إلى الاقتراب من الأدب الجيد بتعريض كبير من المعرفة للنور, بدلا من احتباسه في نطاق هذه اللغة التي نسعى لتعلمها، ولكنا نهدف أيضا إلى تقديم خدمة نافعة إلى الملك والدولة عن طريق تجارتنا مع الأقطار الشرقية، وإلى تمجيد الله بتوسيع حدود الكنيسة، والدعوة إلى الديانة المسيحية بين هؤلاء الذين يعيشون الآن في الظلمات"١.


A. J. Asbesry. The Cambridge Sahooe of arabic, Cambridge. ١٩٤٨, p. ٨.

<<  <   >  >>