للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابتدروا المسجد فقال: "ما هذا؟ فقالوا مسجد صلى فيه رسول الله فقال: "وهذا ملة أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل ومن لم تعرض له فليمض" (١) (٢). ومن استدل بهذا الحديث من العلماء ذكر أنه ود على القريب وخصوا الجواز للمسافر القادم أو المقيم المسافر.

وليس في الحديث ما يدل على التخصيص، ذلك أنه يمتنع أن يقال إنه يرد على هؤلاء ولا يرد على أحد من أهل المدينة المقيمين فيها، فيمتنع أن يكون المعنى من سلم منكم يا أهل المدينة لم أرد عليه مادمتم مقيمين بها فإن المقام بها هو غالب أوقاتهم، وليس في الحديث تخصيص، ولا روي عن النبي ما يدل على ذلك.

يبين هذا: أن الحجرة لما كانت مفتوحة وكانوا يدخلون على عائشة لبعض الأمور ويسلمون عليه إنما كان يرد عليهم إذا سلموا.

فإن قيل: إنه لم يكن يرد عليهم فهذا تعطل للحديث.

وإن قيل: كان يرد عليهم من هناك، ولا يرد إذا سلموا من خارج فقد ظهر الفرق.

وإن قيل: بل هو يرد على الجميع، فحينئذ إن كان رده لا يقتضي استحباب هذا السلام بطل الاستدلال به.

وإن كان رده يقتضي الاستحباب وهو من سلَّم من خارج، لزم أن يستحب لأهل المدينة السلام كلما دخلوا المسجد وخرجوا وهو خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وخلاف قول المفرقين (٣) - أي بين أهل المدينة والغرباء - الذين استدلوا بهذا الحديث.


(١) عزاه شيخ الإسلام إلى سنن سعيد بن منصور. انظر: الرد على الأخنائي (ص ١٦٩، ١٧٠).
(٢) الرد على الأخنائي (ص ١٦٩، ١٧٠) بتصرف.
(٣) الرد على الأخنائي (ص ١٧٦، ١٧٧).

<<  <   >  >>