للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أرد " (١) على استحباب السلام للقادم عند الحجرة. فقيل: إن هذا الحديث لو دل على استحباب السلام عليه من المسجد لما اتفق الصحابة على ترك ذلك، ولم يفرق في ذلك بين القادم من السفر وغيره؟

فقد اتفق الصحابة ابن عمر وغيره على أنه لا يستحب لأهل المدينة الوقوف عند القبر للسلام إذا دخلوا وخرجوا بل يكره ذلك، فلما اتفقوا على ترك ذلك مع تيسره علم أنه غير مستحب بل لو كان جائزا لفعله بعضهم، وبهذا يتبين ضعف حجة من احتج بالحديث على استحباب السلام عليه من المسجد.

ولهذا كان أكثر السلف لا يفرقون بين الغرباء وأهل المدينة ولا بين حال السفر وغيره فإن استحباب هذا لهؤلاء وكراهته لهؤلاء حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي، ولا يمكن لأحد أن ينقل عن النبي أنه شرع لأهل المدينة الإتيان عند الوداع للقبر وشرع لهم ولغيرهم ذلك عند القدوم من سفر، وشرع للغرباء تكرر ذلك كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولم يشرع ذالك لأهل المدينة، فمثل هذه الشريعة ليس منقولًا عن النبي ولا عن خلفائه ولا هو معروف من عمل الصحابة وإنما نقل عن ابن عمر السلام عند القدوم من السفر، وليس هذا من عمل الخلفاء وأكابر الصحابة، كما كان ابن عمر يتحرى الصلاة والنزول والمرور حيث حل ونزل وعَبَر النبي في السفر، وجمهور الصحابة لم يكونوا يصنعون ذلك بل أبوه عمر كان ينهي عن مثل ذلك.

فعن المعرور بن سويد عن عمر قال: خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في صلاة الفجر ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)﴾، و ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١)﴾ في الثانية، فلما رجع من حجه رأى الناس


(١) سبق تخريجه (١٤٧).

<<  <   >  >>