إن أصحابه الكرام ﷺ نقلوا لنا حياته ﷺ كأن المسلم يشاهد ذلك عيانًا، نقلوا ذلك لنا كله لنقتفي أثره ونسير على نهجه، فها هم رضي عنهم وأرضاهم ينقلون لنا حياته ﷺ، هذا يصف لنا وضوءه، وهذا يصف صلاته، وهذا يصف حجه، وهذا يصف كل أحواله، العبادات والعادات، ما افترض علينا العمل به، وما استحب لنا ذلك، فنقلوا لنا كيف كان يأكل، وكيف كان يشرب، وكيف كان ينام، وأحواله في سفره وإقامته، وأحواله في جميع تعامله، حتى سيرته مع أهله، كل ذلك سجلوه ليحثوا الأمة على اقتفاء أثره والسير على نهجه؛ لأن ذلك عنوان الإيمان الصادق] (١).
وقد تمثل هذا الحق وقام به خير قيام صحابته الكرام رضوان الله عليهم، فعرفوا له حقه ﷺ حق المعرفة، فكانوا كما وصفهم عروة بن مسعود الثقفي، قبل إسلامه، حيث روى البخاري في صحيحه أنه لما أرسله كفار مكة إلى النبي ﷺ زمن الحديبية جعل يرمق أصحاب النبي ﷺ بعينيه، قال:"فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له"، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: "أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد ﷺ محمدًا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له .....
وقد صحت الآثار عن آحادهم بما يدلل على التوقير والتبجيل،
(١) انظر: كتاب "الجامع لخُطب عرفة" لسماحة الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة (١/ ١٨٥ - ١٨٨).