للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت قال لابنه: "وما كان أحد أحب إلي من رسول الله ، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني إجلالًا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه".

فكانوا في هذا الإجلال والتوقير ممتثلين لأمر الله تعالى حينما أمر بذلك في كتابه الكريم بقوله ﷿: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٩)[الفتح].

ومعرفة حقوق النبي هو من أنواع شكر نعمة الله تعالى على خلقه التي لا تعد ولا تحصى، والتي من أعظمها بعثة هذا النبي الكريم ، والهداية إلى ما جاء به، فبسبب هذه البعثة المباركة أنقذ الله البشر من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم، ولذا كان معرفة هذه الحقوق النبوية وما يتصل بها مما جاء به النبي أعظم الضرورات للعباد.

ولقد أجاد العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - حين أشار إلى ذلك بقوله: "ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسول فوقها بكثير،

<<  <   >  >>