.. والتَّدْليس: هو أن يروي الراوي عمَّن لقيه، أو عاصره مالم يسمع منه، ولايقول في ذلك: حَدَّثَنا، ولا أخبرنا وما أشبههما، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان، ونحو ذلك.
... وقد قيد الحافظ ابن حَجَرٍ التَّدْليس بقسم اللقاء وجعل المعاصرة إرسالاً خفيَّاً، قال: والذي يظهر لي من تصرفات الحذاق منهم أنَّ التَّدْليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أنَّ رواية المُخَضْرَمِيَن مثل: قيس ابن أبي حازم، وأبي عثمان النَّهدي وغيرهما عن النبيِّ (، من قبيل الإرسال.
... أي لوكان مجرد المعاصرة يُكتفى به في التَّدْليس لكان هؤلاء من المدلِّسين، لأَنَّهُم عاصروا النبي (قطعاً، وعلى هذا مشى الخطيب البغدادي، والعلائي، وقال: وعليه جمهور العلماء.
... قال ابن حَجَرٍ: والتحقيق فيه التفصيل وهو: أنَّ مَن ذُكِرَ بالتَّدْليس، أو الإرسال، إذا ذَكَرَ بالصيغة الموهمة عمَّن لقيه فهو تدليس، أو عمَّن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمَّن لم يُدركه فهو مطلق الإرسال (١) .
قال أبو حاتمٍ:((وأبو قلابة لايعرفُ له تدليس)) (٢) ، وقال أبو زُرْعة: أبو قِلابَةَ عن عليٍّ مرسل، وقال يحيى بن معين: أبو قلابة عن النعمان ابن بشير مرسل. (٣)
... وقال الذهبي بعد أن نقل قول أبي حاتم:((معنى هذا أنه إذا روى شيئاً عن عمرَ، أو أبي هُرَيْرَةَ مثلاً مرسلاً لا يدري مَنِ الذي حَدَّثَهُ به، بخلاف تدليس الحَسنِ البصريّ، فإنه كان يأخُذُ عن كلِّ ضرب، ثم يُسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.)) (٤) وقال ابن حَجَرٍ مُعَلِّقاً على قول أبي حاتمٍ: ((وهذا ممَّا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التَّدْليس لا الاكتفاء بالمعاصرة.)) (٥) فوصف الذهبي أبي قلابة بالتَّدْليس فيه توسع لأَنَّهُ أدخل الإرسال في التَّدْليس، لذا فإن الحافظ ابن حَجَرٍ اكتفى بوصفه في التقريب بأنه:((كثير الإرسال)) .